للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفكر البارز طه عبد الرحمن أن "كانط" أقام "نظريته الأخلاقية العلمانية على قواعد دينية مع إدخال الصنعة عليها، حيث استبدل الإنسان مكان الإله مع قياس أحكامه على أحكامه. . . ." (١). وهذه النظرية العقلية للأخلاق هي امتداد للمذهب العقلي الذي افتتحه "ديكارت"، ويقابله المذهب التجريبي الحسي المتحمس للعلوم الطبيعية الذي انطلق مع مجموعة من علماء الطبيعة وتمنهج مع "بيكون". ومن الكتاب العرب من يرى بأن "أول محاولة لدراسة الظواهر الأخلاقية دراسة موضوعية قد بدأت في الظهور بعد وضع أسس المذهب التجريبي" مع "بيكون" الذي نادى "بوجوب تطبيق مذهبه التجريبي على دراسة الأخلاق والسياسة" (٢)، وجاء ميدان التأسيس الأخلاقي على هذه المفاهيم التجريبية مع "هوبز" و"لوك" و"هيوم"، وهو اتجاه يرفض تبعية الأخلاق للدين "الكنيسة"، كما أن العقلي يرى تبعية الدين للأخلاق "كانط"، ويتجه الأكثر لتأسيس الأخلاق على العلم، ومع ذلك فقد ظهر اتجاه وضعي من الاتجاه التجريبي يجد أن العلم لا يحتمل الأخلاق؛ لأن العلم إما رياضي أو طبيعي، والأخلاق لا تدخل فيهما، ولهذا لا يوجد أخلاق معيارية، فالأخلاق قد تعود للسلوك فتكون فرعًا من علم النفس، وهنا تصبح علمًا؛ لأن السلوك يمكن وضعه على محكات العلم، فسلوك البخل يمكن رصده ودراسته ولكن مقولة: "البخل مذموم" مقولة لا يمكن دخولها مجال العلم، فهي تبحث ما ينبغي وليس ميدانها العلم.

سأكتفي هنا بتلك التي تنتسب للمجال العلمي من الدراسات الأخلاقية، وأبدأ بذكر أصلها، ثم ذكر صورها: يغلب على المفكرين والباحثين في مجال الأخلاق من المتوسلين بالعلمية أو المدعين لها أن يجمعهم مسمى "المواقف الطبيعية"، حيث يتفقون على "أن الإنسان والأرض والكون جميعًا أجزاء من طبيعة واحدة كبرى، تسري عليها قوانين واحدة، وتدرس بطريقة واحدة، ولابد لكل تفسير أن يقع في نطاق ما هو طبيعي، فليس وراء الطبيعة شيء، وليس غير الخبرة الحسية مصدرًا للمعرفة أو القيم. فالخبرة هي مصدر الأحكام العلمية


(١) سؤال الأخلاق. . . .، طه عبد الرحمن ص ٤٠.
(٢) انظر: الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع، د. السيد محمَّد بدوي ص ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>