للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعترف بأن ما ورد على لسان أحد أبطال ديستوفسكي من عبارة قائلة بأن "الله إذا لم يكن موجودًا، فكل شيء مباح"، هي نقطة البداية بالنسبة للوجودية، ومن ثم يجد نفسه مهجورًا. . . . ليس في وسعه أن يلتمس شيئًا يعتمد عليه داخل نفسه أو خارجها، وإذا غاب الإله فعلى الإنسان أن يتولى أعماله، فيصنع وجوده ويخلق قيمه (١).

[٥] اتساع في التقدم العلمي يعمق من المشكلات الأخلاقية: تشترك أغلب المواقف في الهروب من الدين كمصدر للأخلاق والقيم، ووصلت ذروتها مع الملحدين في إنكار وجود الرب سبحانه، فأصبحت الأخلاق دون مرجع ودون مصدر ودون حافظ، تسبح في بحر متلاطم، تتقاذفها أهواء المدارس الفكرية المختلفة، كل يقودها إلى هواه، فنشأت بذلك مشكلة أخلاقية حقيقية تعصف بالمجتمعات المعاصرة، وقد ظنت طائفة أن الحل يكون في تحويل مبحث الأخلاق إلى ميدان العلوم، فتتقدم كما تقدمت العلوم الطبيعية، ومع ذلك استعصت على العلوم؛ لأنهم تجاهلوا الفرق بين المادة وبين الإنسان فأرادوا تطبيق ما يصلح على المادة على الإنسان، وغفلوا عن حقيقة ما يصلح للإنسان ويصلحه ألا وهو الدين الحق. وقد ازداد الاختناق في باب الأخلاق مع تقدم العلوم؛ حيث برزت مكتشفات جديدة تفتح الباب على الأخلاق بعد أن تناساها التقدم العلمي، التقدم الصناعي وما أعقبه من مشكلات في إنهاك الأرض وتلوث البيئة وتهديد حياة الإنسان واستغلال الضعفاء، التقدم في علوم الوراثة والجينات وأبوابها وما فتحته من مشكلات. ويغلب على مسار العلوم عواقب إشكالية في مجال الأخلاق، إذ يأتي السؤال عادة بعد كثير من الاكتشافات الجديدة في مجال العلم: هل يصح هذا أم لا؟ هل تطبيقه أخلاقي أم لا؟ هل يجوز أم لا؟ ومعلوم أن هذه الأسئلة لا تجد جوابها الحقيقي إلا في الدين، ولكن الدين هو ما تفر منه الحضارة العلمانية، وعلى سبيل المثال يبحث باحث غربي معاصر في أخلاقيات العلم، وعند رجوعه لأصولها في الفكر الغربي يجدها إما ترجع للدين "الأمر الإلهي" التي ترسي خلقها العام على أساس أوامر الله، ورغم فوائدها عند المؤلف إلا أنه يقول: "ولكن لن أعتمد تمامًا عليها في تحليلي لأخلاقيات العلم، ما دمت أحاول تطوير التفسير


(١) نظرية القيم. . . .، قنصوه ص ١٥٨ - ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>