للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيوي للأخلاقيات"، فيتركها ويذهب للنظريات الباقية التي ترسي أساسًا دنيويًا للأخلاقيات (١). ومع ذلك فقد تلجئهم مشكلات التقدم العلمي ومشكلات الإنسان المعاصرة للعودة إلى الأخلاق ومن ثم العودة للدين.

[٦] للأسف يغيب في كثير من الكتابات العربية الحسّ النقدي الإِسلامي للفكر الأخلاقي الغربي، ويغلب على الكتابات الفكرية الانهماك في تبني مدرسة من تلك المدارس أو التجميع والتركيب منها، بما فيها -أحيانًا- كتابات إسلامية اكتفت بإفراغ القالب وملئه بمحتوى إسلامي دون الشعور بخطورة القالب، حيث تجد النسق المشهور: المسؤولية، والإلزام، والواجب، والضمير، والحرية، والحس الأخلاقي المشترك، وأصل الأخلاق، وغيرها. وهذه المشكلة تُتعب الباحث الإِسلامي الذي يريد مادة علمية مفيدة يستعين بها في مناقشة مثل هذه الانحرافات، ومع ذلك لن نعدم دراسات جادة بحجم ما كتبه المفكر طه عبد الرحمن في هذا المجال، ولاسيّما في كتابه: "سؤال الأخلاق: مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية" ومنه استفدت عناصر مهمة في هذا المجال.

تقوم العقلانية العلمية الحداثية على مصالح ومفاسد، وقد يتشبث المتغرب بها كاملة، يدافع عن أخذها بحلوها ومرها، دون الانتباه لمخاطر مفاسدها على الهوية عمومًا وعلى الأخلاق خصوصًا، وقد تتبع الدكتور طه عبد الرحمن تلك الآفات والمفاسد التي ارتبطت بهذه الحضارة العقلية العلمية وأثرها على الأخلاق، وتلقي بظلالها على المتغربين في الوقت نفسه، ومن ذلك ثلاث آفات خطيرة: آفة التضييق، وآفة التجميد، وآفة التنقيص (٢).

فآفة التضييق تسببت في إخراج الأخلاق من العلم، لضيق مفهوم العلم عندهم؛ لاكتفائه بالجانب المحسوس فقط، وما استبقي منها في العلم أشياء قليلة تقبل مقاييس العلم، فهم لا يقبلون الخبر الديني كدليل ومصدر للمعرفة (٣).

وآفة التجميد قصرت الأخلاق على الفرد دون المجتمع، فهي تناسب الفرد دون أن تناسب المجتمع، ولذا تُترك كخيار فردي ولا يلزم بها المجتمع.


(١) انظر: أخلاقيات العلم، ديفيد ص ٣٩ - ٤٣، ترجمة د. عبد النور عبد المنعم.
(٢) انظر: سؤال الأخلاق. . . . ص ٧٨ - ٨٠.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ١١٩ إضافة للصفحات السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>