للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى: دعوتها للاتصاف بخلق التعقل، مع أن هذه العقلانية هي نفسها التي بثّت دعوى السيطرة على الكون وقهره، فكيف نعالج آفة التعقل بأداته ذاتها.

والثانية: حقيقتها التنكر لأخلاق الدين مع أنها تريد الحد من آثار دعوة السيطرة على الكون وقهره، فهذه الإرادة لا يُحَدُّ انفلاتها إلا عندما تكون بمثابة المسُود أو المقهور، ولا يكون ذلك إلا بوجود سيد قاهر فوقها، ولا يخلو هذا السيد إما أن يكون النظام العلمي التقني أو يكون غيره، ومحال أن يكون هو النظام؛ وإلا لدفع عن نفسه المخاطر والأهوال التي ترتسم في أفقه، عندها يلزم أن يكون السيد غير هذا النظام، وليس إلا من له مقاليد السماوات والأرض، ولكنهم يتنكرون له.

ولهذا يكون الحل الحقيقي هو ما يطرحه التصور الإِسلامي القائم على:

أن يكون التعقل الحقيقي بالاشتغال بطاعة أحكام سيد الكون، فتندفع عن الإنسان فكرة السلطة على الكون وقهره.

وإذا كان التنكر هو بتناسي الأصول الدينية للأخلاق؛ فلابد من مواجهته بترك الوعي المجرد المرتبط بالعلم والتقنية إلى مجال الاعتبار الذي يدرك في كل سبب مقصده ويعقل في كل حادث معناه ويرى في كل حكم حكمته، فيكون المعتبِر هو من يرى الظواهر على أنها آيات، وينسب السيادة على الكون إلى صاحب هذه الآيات (١).

رابعًا: نماذج من الأخلاقيات المتغربة تحت غطاء العلمية:

[النموذج الأول]

هناك مواقف فكرية عربية تهتم بدراسة الأخلاق بعيدًا عن الدين، كما نجد في المدخل الذي قدمه عادل العوا في "موسوعة الفلسفة العربية" "ولكن دراسة الأخلاق تريد الإفلات، وقد أفلتت، من ربقة الأسطورية، والغيبية، وحتى الميتافيزيقا، وهي تكتفي بالانطلاق من أن كل إنسان اجتماعي سالك بلا ريب سلوكًا يهدف إلى غاية، وأن دراسة الأخلاق من النوع "اليقيني" أو من النمط الثابت علميًا، على الأقل، إن لم نقل من النوع العقلي الفلسفي المرتكز على


(١) انظر: سؤال الأخلاق ص ١٣١ - ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>