للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إجراء تعديلات منهجية عليه (١).

ولكن هل وقع تغيّر لمفكر الوضعية؟ ربما حدث تغير، ولكنه بحسب الدراسة السابقة قد "تراجع بعض الشيء"، ومن ذلك الدور الذي يعطيه "زكي" في هذه المرحلة للتراث والدين والحضارة الإِسلامية، ومن بين الكتابات التي جاءت في هذه المرحلة وربما هو أشهرها للمؤلف كتابه: "تجديد الفكر العربي"، ونجد فيه: ". . من غير المقبول عندنا، أن يقال: إن الأخلاق مدارها -في نهاية الأمر- منفعة تعود على الناس؛ لأننا نرى أن الفضيلة هي جزاء نفسها، أرادها لنا الله، وعقلناها، فالفعل عندنا يُعد فاضلًا في ذاته بغض النظر عن نتائجه؛ أي: ضارة بصاحب الفعل أم نافعة له، وبعبارة أخرى، فإننا نقيم الأخلاق على أساس الفائدة،. . . ." (٢)، ويقول في موضع آخر من هذا الكتاب: "وفرّعنا (٣) كذلك نظرة في الأخلاق، تجعل أساسها أداء الواجب، كما يفرضه الوحي أو يمليه الضمير، بغض النظر عن الفائدة العائدة من أدائه"، وأن هذه الثنائية تضمن الجمع بين العلم وكرامة الإنسان، تلك الكرامة التي فقدها الغربيون مع تقدمهم العلمي (٤)، فـ"العلم والقيم كلاهما -في أوروبا وأمريكا- ينبت من الأرض، كلاهما ينشد القوة والمنفعة، وأما الثنائية المقترحة فتجعل العلم ثابتًا ينبثق من الأرض وظواهرها، وتجعل القيم غيثًا ينزل من السماء ووحيها، العلم نسبي يتغير مع التقدم، والقيم مطلقة تشخص إليها الأبصار، فهي ثابتة من حيث الأسس وإن تغيرت من حيث التطبيق بتغير الظروف" (٥)، ثم يُذكّر بموقفه القديم حول نسبية القيم ولا يرى أنه بَعُد عنها كثيرًا، ذلك أن ثبات القيم في إطارها العام لا ينفي تغير مضمونها بحسب تفصيلات العيش في عصر من العصور (٦).

هل نحن أمام موقف صريح أم أننا أمام موقف متذبذب؟ هل يوجد تحول


(١) يعد نقد "كارل بوبر" الأبرز في هذا المجال، انظر مثلًا: مقدمة د. ماهر عبد القادر المرفقة بترجمة كتاب منطق الكشف العلمي لبوبر ص ١١ - ٤٧.
(٢) تجديد الفكر العربي ص ٢٧٧.
(٣) أي: على مبدأ الثنائية الذي أخذ به في المرحلة الجديدة.
(٤) انظر: المرجع السابق ص ٢٨٣ - ٢٨٤، وما بين القوسين ص ٢٨٣.
(٥) تجديد الفكر العربي ص ٢٨٥.
(٦) انظر: المرجع السابق ص ٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>