للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد، فقد ظهر من النماذج السابقة رغم تَلبّسِها بلباس العلمية، أن حقيقتها هي صياغة أخلاق علمانية بعيدة عن الدين، ويُتخذ العلم كغطاء لعلمنة الأخلاق.

* * *

[الثاني: في باب العمل بالأدوية الشرعية للأمراض الجسدية أو النفسية]

ينتقل البحث إلى مجال آخر تأثر في بعض جوانبه بالعلمنة والأصول اللادينية، وهو مجال الطب، ويعد التداوي من أهم موضوعات هذا العلم من أجل صحة أبدان الأحياء. وقد تطور علم الطب في العصور الأخيرة تطورًا كبيرًا، وقد انتفع العالم بذلك نفعًا عظيمًا، وقد خالط هذا النفع شيئًا من الكدرات، ومن ذلك ما تسرب للفكر الحديث من إشكالات ذات علاقة بعلم الطب بشقيه الجسدي والنفسي، ويعود السبب في ذلك إلى الواقع الثقافي والاجتماعي للبيئة التي تطور فيها علم الطب الحديث، ولا يخرج عن ذلك أي علم نشأ في هذه الظروف الغربية الجديدة، حيث تظهر فيه سمات تلك البيئة وأصولها النظرية والفلسفية، وبما أنه قد غلب على البيئة الغربية: العلمنة لاسيّما في العلم والفكر فقد أثر ذلك على كل العلوم، وازداد الأمر سوءًا مع اهتمام الماديين بالعلوم الدنيوية وبث ماديتهم فيها، وتوظيفها فيما يضاد الدين (١)، وقد نشأ مع هذا الوضع الجديد إشكالات حول العلاج والتداوي لاسيّما في الإطار الفلسفي والفكري وقد امتدّ أثره في واقعنا الفكري، وهذه الفقرة تبحث هذه الإشكالية، وذلك بعد ذكر المداخل المناسبة لمثل هذا الموضوع.

الأمر بالتداوي في الإِسلام:

يرتبط هذا بباب الطب، وهو باب واسع داخل التصور الإِسلامي يصعب الإلمام به في هذه الفقرة المختصرة (٢)، فأكتفي بذكر قضايا كلية نبه عليها علماء


(١) انظر: الباب الأول، الفصل الثاني، ففيه توضيح لهذا الأمر.
(٢) هناك طب نبوي مصدره الوحي وقد اصطلح العلماء على إطلاق اسم (الطب النبوي) عليه، وهناك من يقترح مسمى (الطب الإِسلامي) ليشمل علاقة الطب بالتصور الإِسلامي الواسع، ويكون الطب النبوي فرعًا عنه، كما أن هناك الطب البشري الذي هدى الله الناس إليه، وقد طُبب به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأرشد إليه. انظر حول التعريفات: روائع الطب =

<<  <  ج: ص:  >  >>