للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأضعافه وأضعاف أضعافه من فهم بعض ما جاء به، وإرشاده إليه ودلالته عليه، وحسن الفهم عن الله ورسوله يمن الله به على من يشاء من عباده. فقد وجدنا أصول الطب الثلاثة في القرآن، وكيف تنكر أن تكون شريعة المبعوث بصلاح الدنيا والآخرة مشتملةً على صلاح الأبدان كاشتمالها على صلاح القلوب، وأنها مرشدة إلى حفظ صحتها ودفع آفاتها بطرق كلية، قد وكل تفصيلها إلى العقل الصحيح والفطرة السليمة بطريق القياس والتنبيه والإيماء" (١).

وقد يشتبه على البعض عدم نفع بعض ما ورد من أدوية بشكل ثابت أو أن يأتي علم الطب على خلاف بعضها، وربما لهذا السبب قال ابن خلدون أنه: "ليس من الوحي في شيء وإنما هو أمر كان عاديًا للعرب. ووقع في ذكر أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلّة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل. فإنه - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات" واستثنى من ذلك استعماله تبركًا فقال: "اللهم إلا إن استعمل على جهة التبرك وصدق العقد الإيماني، فيكون له أثر عظيم في النفع" (٢)، وهذا القول مرجوح، فمن تمعن في هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أن الأمر يتجاوز العاديات، وقد بيّن ذلك غاية البيان ابن القيم (٣).

أما الاشتباه السابق حول الطب النبوي فنجد جوابه من فقيه في الشرع ومُلمّ بالطب وهو "محمَّد المازري" (٤) حيث قال: "وهذا الذي قاله هذا المعترض


(١) المرجع السابق ٤/ ٤١٤.
(٢) مقدمة ابن خلدون ٣/ ١١٤٤، بتحقيق د. علي وافي.
(٣) وانظر: الأسس الإبستمولوجية لتاريخ الطب العربي. رؤية معرفية في تاريخ الحضارات، د. خالد حربي ص ١٤٢ وما بعدها.
(٤) قال عنه الذهبي في السير: (الشيخ الإمام العلامة البحر المتفنن، أبو عبد الله، محمَّد بن علي عمر بن محمَّد التميمي المازري المالكي. قال عنه القاضي عياض: لم يكن في عصره للمالكية في أقطار الأرض أفقه منه ولا أقوم بمذهبهم. سمع الحديث، وطالع معانيه، واطلع على علوم كثيرة من الطب والحساب والآداب وغير ذلك، فكان أحد رجال الكمال، وإليه كان يفزع في الفتيا في الفقه. قيل: إنه مرض مرضة، فلم يجد من يعالجه إلا يهودي، فلما عوفي على يده، قال: لولا التزامي بحفظ صناعتي لأعدمتك المسلمين. فأثر هذا عند المازري، فأقبل على تعلم الطب حتى فاق فيه، وكان ممن يفتي فيه كما يفتي في الفقه). انظر: سير أعلام النبلاء ٢٠/ ١٠٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>