للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدلالة الأولى لعدم الاستقرار الاقتصادي" (١)، فالقلق "الذي اختلفت المدارس النفسية البرجوازية في تفسير نشأته ليس "توترًا غريزيًا" كما يقول فرويد، وليس "ضعفًا عامًا في الجهاز العصبي أو خطأ في التركيب العضوي كاختلال في الأوعية الدموية أو في القلب" كما تقول المدارس السلوكية. إن القلق -كما يرى هندرسون وجيلزيا- "هو خلاصة المواقف الإحباطية" المعوقة، كالحالة الاقتصادية، والفشل في الحب أو الزواج أو العمل، أو أسلوب التربية الخاطئ.

والحق أن هذه الأشياء جميعها هي وجوه مختلفة للتكوين الاقتصادي الواحد" (٢)، فيكون علاجها الماركسي كما هو المعتاد بتبني الماركسية التي تغير هذا الاقتصاد الذي يسبب القلق. أما "سلامة موسى" فيميل لـ"فرويد" أكثر ويجمع معه بعض أصول الدارونية الاجتماعية، فشارك في بعض الهيئات الاجتماعية لمعالجة صور من هذا القلق النابع عن الأزمة الجنسية، ورأى تحت تأثير فرويد تخفيف الفصل بين الجنسين وتيسير الاختلاط، "ففي المجتمع العلمي يعيش الذكور مع الإناث منذ ميلادهم إلى وفاتهم، لا ينفصل جنس عن الآخر؛ لأن هذا الوضع الطبيعي الذي تصرخ به الطبيعة. والمجتمع الذي يعارض الطبيعة مجتمع فاسد. وهو لن يستطيع أن يهزمها؛ لأن الطبيعة ترد اللطمة، فيكون من الانفصال بين الجنسين تلك الشذوذات الجنسية التي شاعت في أمم شرقية عديدة، بل قد يكون الجنون. . . ." (٣).

وكتعليق مختصر لابد من التفريق بين علم النفس الصحيح والنافع والمتطور يومًا بعد يوم على أيدي العلماء وبين المشكلات التي أحاطت به بسبب العلمنة والمادية والإلحاد في البيئة الغربية أو بسبب التغريب في البيئة الإِسلامية، فالمتغربون يتخذون من مشكلات هذا العلم أداة لمهاجمة الدين مباشرة، أو بصورة غير مباشرة بجر المشكلات النفسية هنا إلى مجال علاجي لا علاقة له بالعلاج، مثل ربط المشكلات النفسية بالجنس مع الفرويديين المتغربين. ومن ثمّ الدعوة للاختلاط كما سبق تصور "موسى" للمجتمع العلمي الطبيعي، فإن الشذوذ والقلق هو أكثر وضوحًا في المجتمعات الغربية التي تبنت


(١) انظر: المرجع السابق ص ١٨١.
(٢) المرجع السابق ص ١٨٢.
(٣) المرجع السابق ص ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>