للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غربية تابعة لمشكلة انحراف الكنيسة والنصرانية، فقد ظهر من البدايات في العالم الإِسلامي مرتبطًا بالنصارى العرب، وقد سبق في فقرة الصحافة [الفصل الرابع من الباب الأول حول دور الصحافة] ذكر شيء من ذلك، ومن بين أشهر المؤسسين لهذا التوجه الجديد بطرس البستاني، الذي تأثر بالمنصرين الأمريكان فأخذ بطريقتهم في فصل العلم عن الدين مع الاجتهاد في خدمة النصرانية، حيث شارك في أول ترجمة عربية للتوراة مع رعايته المدارس العصرية والجرائد والتأليف ومن ذلك وضعه أول موسوعة بالعربية أنجز منها ستة أجزاء، وقد زاد نشاطه بقوة بعد أحداث (١٨٦٠ م) وما صحبها من تدخل الغرب لدعم النصارى وحمايتهم في لبنان وما حولها، وقد صحب بطرسُ المنصرَ الأمريكي المشهور "فان ديك" وشاركه أعماله، وأكتفي هنا بالتوقف مع دوره في صناعة فضاء علماني للعلم، وفي ذلك يقول د. المحافظة: "وسار في هذا التيار العلمي - العلماني، في بلاد الشام، أحمد فارس الشدياق،. . . . وبطرس البستاني. . . ." (١)، فقد أصبح من المشهور وصفهم بالتيار "العلمي - العلماني", وقد يستغرب لرجل مهتم بالدين مثل بطرس كيف يسعى لعلمنة العلم؟ ومن أشهر الأجوبة أن هذا التيار النصراني في ثقافته قبول الفصل بين ما لله وما لقيصر، ولكن الأهم هو أن علمنة العلم تمكنهم من اختراق المجتمع الإِسلامي، ومن ثم توظيف هذا المجال الجديد توظيفًا يخدم وضعهم، وقد أشار لذلك في مدح أكثر من كاتب علماني، مثل عزيز العظمة وهشام شرابي وغيرهما (٢).

حقيقة العلمانية:

من أحدث الكتابات حول تعريف العلمانية ما ذكره "المسيري"، حيث قسمها إلى قسمين: علمانية شاملة وأخرى جزئية، ثم عرف كل قسم، فـ "العلمانية الشاملة: رؤية شاملة للعالم ذات بعد معرفي "كلي وجزئي" تحاول -بكل صرامة- تحديد علاقة الدين والمطلقات الغيبية "الميتافيزيقية" بكل مجالات الحياة، وهي


(١) انظر: الاتجاهات الفكرية عند العرب. . . .، علي المحافظة ص ٢٣٨، وحول نشاطه بعد ١٨٦٠. انظر: رواد النهضة الأدبية .. ، د. كمال اليازجي ص ٩٢.
(٢) انظر: العلمانية من منظور مختلف، عزيز العظمة ص ٨٨، ١٨٨، المثقفون العرب والغرب، هاشم شرابي ص ١٢٥ وما بعدها، العرب النصارى .. ، حسين العويدات ص ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>