للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان -عندهم- ونشاطه ومجتمعه وحياته لا تربط بالآخرة؛ لذا تتحدد هذه الأمور مجتمعة بحياة دنيوية مع غفلة عما بعدها.

إذًا فالانفصال عن الإيمان بالله وعن اليوم الآخر أمر يخالف تمامًا التصور الإِسلامي، ولا يُعد المعتَقِد به مسلمًا؛ لأن أهم أصول الإِسلام هي الإيمان بـ"الله سبحانه" "وجوده وربوبيته وأسمائه وصفاته وألوهيته"، والتصور العلماني ينقض هذا الأصل تمامًا. كما أن "اليوم الآخر" هو أصل آخر من أصول هذا الدين الذي ينقضه التصور العلماني. يريد التصور العلماني في أخف صوره دينًا علمانيًا تُشكِّله العلمانية كما تريد، لا كما جاء في الوحي وجاءت به الرسل ونزلت به الكتب، ولذا تجد عند بعضهم تهويمات حول الاعتراف بوجود أعلى مطلق معنوي هو سرّ وجود العالم وسر سننه، ولا يتجاوزون ذلك، ويرفضون تجاوز ذلك.

من آثار الفصل بين العلم والدين:

وقع الغرب بإبعاد هذين الأصلين العظيمين "الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر" عن الحياة والعلم في مشكلات تفوق المكاسب في الجوانب الإنسانية العليا (١)، والعاقل هو من اتعظ بغيره؛ فمع افتراض حسن النية لدى البعض من دعاة علمنة العلم بسبب انبهارهم بتلك المنجزات فإن العاقل لا يعميه جانب عن جانب.

لقد سبق في الفصل الأول من الباب الأول صور من تلك المشكلات، مثل: الغرور العلمي المتمثل في التيارات العلموية التي أضرت بالعلم والحاجات الإنسانية العليا. وانفتاح الباب للملحدين لينشروا إلحادهم بواسطة العلم. وانفتاح الباب للعبثيين ليعبثوا بواقع البشر من خلال الاستثمار البشع لمكتشفات العلم دون مراعاة للعالم من حولهم؛ لعدم ارتباطهم بأصول كبرى توجه مسار العلم. كما أوصلت الثقة بالعلم إلى بدائل عن الدين موهومة وخطيرة أوصلتهم إلى القلق والنكد والمرض ويصرّون على تجرعها بحجة أنها ضريبة التقدم، فقد كان الظن بأن العلم العلماني سيجيب عن كل التساؤلات، ويعالج كل


(١) انظر: العلمانية تحت المجهر، د. عبد الوهاب المسيري ص ١٢٨ - ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>