للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الإعدام- فلا شك في أنه خرج على الدين خروجًا خطيرًا، كما أشرنا إليه وكما سيتضح من بيان مذهبه أنه كان راهبًا معيبًا وفيلسوفًا مفتونًا، جواب آفاق، مشاكسًا مهاترًا" (١).

ونحن أهل الإسلام نعلم بأن "برونو" قد خرج على الدين، وهو من أهل وحدة الوجود عند من عرّف بمذهبه؛ إلا أن الخروج أيضًا من الكنيسة، وكونها تتخذ من سلطتها مبررًا لإحراق المخالفين لها لا يمكن تبريره في عصرها ولا في عصرنا، وأنها بعملها هذا -لاسيّما وهي تُتهم بأنها أحرقته على ما قاله من صواب سواء في باب نفيه لتجسّد المسيح عليه الصلاة والسلام أو في أبواب الفلك- سَتُرسّخ صورة نمطية خطيرة في علاقة ما اصطلح عليه الدين بالعلم ورجال الدين برجال العلم، وسيُعَمم هذا الموقف على أنه يمثل كل دين، ويتخيل الناس أنه إن وجدت قوّة وسلطة لأي دين فستقوم بما قامت به الكنيسة من تعذيب أو إعدام أو تحريق لمخالفيها. وفي المقابل فإن قضية "برونو" التي اشتهرت في تاريخ الفكر هي في دفاعه عن العلم الجديد ونظرية كوبرنيكوس الفلكية لا أنها على معتقداته المخالفة للكنيسة؛ لاسيّما ومثل تلك المعتقدات شائعة في أوروبا، ولن يكون أكثر فسادًا في الاعتقاد من جماعة الإنسانيين ومع ذلك لم يُحرقوا.

و"برونو" لم يشتهر بجديد في الفلك بقدر ما اشتهر بدفاعه عن نظرية "كوبرنيكوس" ونشره لها، وهذا ما ميزه عن "كوبر"، فبينما خاف كوبر من إخراجها في حياته وبقي محتفظًا بها إلى يوم وفاته، فإن "برونو" يمثل الصوت الإعلامي البارز، وهو مشاغب أيضًا، صاحب لسان حاد على مخالفيه، وقد قاده ذلك إلى ما خاف منه "كوبرنيكوس"، وفعلًا ظلّت حادثته ماثلة أمام أعين بقية علماء الفلك. بقي ذلك إلى أيام "جاليليو" الذي كان ما إنْ يظهر فكرة حتى يسارع في التوبة والاعتذار عنها (٢).


(١) انظر: تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم ص ٣٢ - ٣٤، وما بين القوسين من كلامه دون تصرف.
(٢) ذكر مجموعة من الكتاب السوفييت في موجز تاريخ الفلسفة ص ١٤٤ - ١٤٦، عن "برونو" أنه ممن يقول بامتداد الكون ولا نهائيته ومن ثمّ وجدوها فرصة كعادتهم مع الفرضيات في إنكار الخالق سبحانه، وهذه مشكلة ارتبطت بظهور النظريات العلمية، إذ تجد من =

<<  <  ج: ص:  >  >>