للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما نزل وبها تثبت النبوة فلم يذكر فيها ما علم بالخبر بل ذكر فيها الدليل المعلوم بالعقل والمشاهدة والأخبار المتواترة لمن لم ير العلق" (١)، والشاهد من هذا هو التفريق بين الغيب والشهادة، فما ورد من الغيب نعرف معناه ونجهل الكيفية، إلا إن جاء في الخبر ما يوضحها لنا، أما الشهادة، فإن تحدث عنها الدين فهو يتحدث عما نشاهده، فإذا أتينا إلى هذا الباب فإن العاقل من أي ملّة تصيبه الدهشة وهو يرى أنه لا يوجد شيء مما ورد في الإسلام يعارضه شيء من العلم، بل إن العقلاء تصيبهم دهشة وهم يجدون في القرآن أمورًا من التفاصيل لم يكتشفها العالم إلا بعد قرون، ومن هنا لم تظهر مشكلة في دين الإسلام مع الحقائق العلمية بخلاف الأديان الأخرى: المبدلة والوضعية، فقد عرفت مشاكل كثيرة مع الحقائق العلمية.

ومع ذلك فليست كل الموضوعات بالوضوح نفسه، فهناك موضوعات معقدة في باب العلوم، وهذه الموضوعات قد جاء الحديث عنها في القرآن الكريم، وقد وجد فيها بعض المتغربين فرصة للتشهير بالدين وإثبات تناقضه أو تعارضه مع العلم الحديث، ومن بين ما يكثر الحديث عنه نظرية الفلك، لهذا أجعلها النموذج في الإشكال مع بيان عدم صحة جعلها وسيلة لإثبات التعارض بين الدين والعلم.

لقد سبق الحديث عن صورة إثارة هذه المشكلة في الفصل الرابع من الباب الأول، وقد رأينا أنها كانت مشكلة في الطائفة النصرانية في الأساس، وأن من عاصر المشكلة من المسلمين لم يجدوا فيها ما يصح جعله من التعارض بين الدين العلم الحديث، وكانت نتيجة الفقرة آنذاك أنها لم تُشكل مشكلة عند المسلمين. ومع ذلك فقد لا تبحث في كتاب من كتب المتغربين، له صلة بالموضوع إلا ذُكِر التعارض بين الدين والعلم مُمثِلًا بها، وقد وجدت عند مجموعة يتناقلون فرية افتروها ويتناقلونها عن أحد العلماء المعاصرين من قوله بأن الأرض لا تدور وعند بعضهم أنه مسطحة وأن من قال بغير ذلك فهو كافر (٢). ومع ذلك فمرادي في هذه


(١) الفتاوى، ١٦/ ٢٦١، وانظر: العقيدة الإسلامية وأسسها، عبد الرحمن الميداني ص ٢٣ - ٢٨.
(٢) انظر مثلًا: عرش المقدس. . . .، د. عبد الهادي عبد الرحمن ص ٩٠، وانظر: العقل الإيماني، حسن أحمد ص ٧٣، ٧٨، ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>