للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما القسم الثالث: "إذا أحسن رده إلى القسمين قبله عرف مراد المتكلم منه، فالأول يفيد اليقين بنفسه، والثاني يفيده باطراده في موارد استعماله، والثالث يفيده إحسان رده إلى القسمين قبله. . . ." (١)، فإن المجمل يجد بيانه في نصوص أخرى.

إذا علمنا هذا التقسيم حول دلالة النصوص عندها نفهم الموقف الصحيح عند التعارض في باب الموضوعات، ونفهم في السياق نفسه موقف علمائنا مثل موقف الشيخ ابن عثيمين السابق، فأهل السنة الأصل عندهم هو الوحي وهو المقدم، وعند وجود تعارض فالمقدم هو القطعي، وما لم يكن قطعيًا فالأصل هو البقاء على ظاهر النص لا نتحول عنه إلا بيقين، وإذا صرفناه إلى معنى آخر فإننا سنجد من النصوص ما يدل عليه، والشيخ عندما فسر الآية بما يظهر للعين وليس بما يتعلق بحركة المجموعة الشمسية فإن في نفس السورة ما يدل على هذا المعنى، قال -تعالى- عن ذي القرنين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: ٨٦]، قال الشيخ -رحمه الله-: "ومعلوم أنها تغرب في هذه العين الحمئة حسب رؤية الإنسان" (٢)؛ أي: أن الظاهر هنا بحسب كلام الإِمام الشافعي غير مراد، ولكن من وقف على شاطئ البحر عند غروب الشمس يرى بعينه كأنها تغرب في الماء، ومعلوم أنه لا أحد يقول بذلك، وبهذا نفهم ما ورد من آيات حول الموضوعات الكونية.

لا يعني أن الشيخ -رحمه الله- قد سلّم قطعًا بالنظرية الجديدة، ولكنه يضع القاعدة الصحيحة في الموضوع، فمن عادة أهل السنة تعظيم الوحي، وعدم ترك الظاهر المتبادر إلا بحجة بيّنة، وهو لم يقتنع مثلًا بالمعارض، ولكنه في الوقت نفسه يفتح الباب لمن ثبت عنده القطع بأنه يجب عليه بيان معنى للآية لا يخالف المحسوس القطعي، وبما أنه لم يتأكد من المسألة فإنه لا يجزم بخطأ المخالف، فأهل العلم لا يعدون هذه من مسائل الاعتقاد، ولذا لم يرد منها شيء في كتب العقائد، وإنما جاءت من أجل هداية الناس إلى التوحيد، وتؤخذ بهذا المقدار، أما التوسع في هذه العلوم فهو لأهل الاختصاص فيها، وبسبب إدراك أهل العلم


(١) الصواعق المرسلة ٢/ ٦٧١ - ٦٧٢.
(٢) تفسير القرآن الكريم (سورة الكهف)، محمَّد العثيمين ص ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>