للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد شغل نفسه بمشكلة اللاهوت مثلما فعل فيورباخ" (١). ورؤيته تتلخص في أن ""الأنثروبولوجي هو سر [حقيقة] اللاهوت"؛ أي: أن جوهر وحقيقة الدين ومعناه الباطني العميق هو الجوهر الإنساني" (٢)، ففي رؤيته بأن ما يُعتَقد بأنه الله ليس سوى الإنسان، حيث قام الإنسان بإسقاط صفاته على الإله (٣)، ويقوم الإلحاد الفلسفي الفيورباخي بعد ذلك في دعوى تخليص الإنسان من هذا الوهم.

وقد نجد بعد ذلك من العرب من يرى أن عمل "فيورباخ" يُعدّ من مجال البحث العلمي في الدين، وأنه يتجاوز الفهم الضيق للدين بحسب زعمه، ففلسفة "فيورباخ" "تؤسس لكثير من العلوم التي تهتم بتحليل الدين من قبل: تاريخ الأديان، ومقارنة الأديان، وعلم الاجتماع الديني، وعلم النفس الديني، وفلسفة الدين التي تعد أوسع هذه العلوم في النظر إلى الدين، وتلك كانت أساس أبحاث فيورباخ" (٤)، ومن أجل ذلك يقول: "نذرت جهدي من الآن من أجل تقديمه إلى الثقافة العربية" (٥).

لقد أخرجت الرؤية الفيورباخية إطارًا جديدًا يدخل فيه كل الأنشطة التي ترى الدين هو في حقيقته نابع من الأرض، ولا يشترط بعد ذلك العودة لفيورباخ نفسه بقدر ما تكون العودة للإطار بعد أن تعمم في الثقافة العلمانية.

ولكن "فيورباخ" بقي محسوبًا على الفلسفة، وهي في الأغلب ذات واقع معارض للدين مما يجعل الناس لا يكترثون لدعوته، لولا أن دعوته قد تحملها المنتسبون لميدان العلم ولاسيّما العلوم الاجتماعية، حيث شكلت رؤيته مناخًا وإطارًا ورؤية لمن بعده، فالبعض يصرح في اعترافه منها، والبعض الآخر يتحرك في ذلك الإطار دون أن يعلن انتسابه لفيورباخ.


(١) أصل الدين، فيورباخ، دراسة وترجمة، د. أحمد عطية ص ٩ من الدراسة، وانظر له أيضًا: الإنسان في فلسفة فيورباخ ص ١٨٥، وانظر: مبادئ فلسفة المستقبل، لودفيغ فويرباخ، من مقدمة إلياس مرقص ص ٤٢.
(٢) انظر: أصل الدين ص ١٠، من المقدمة.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٢١ - ٢٣.
(٤) انظر: الإنسان في فلسفة فيورباخ ص ٢٢٠ - ٢٢٢ والنص ص ٢٢٠، انظر: المرجع السابق، أصل الدين ص ١٢.
(٥) الإنسان في فلسفة فيورباخ ص ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>