للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترتيب تقريب صورة التأثر التغريبي والعمل الأيدلوجي عند الدارونيين.

وليست هذه المجموعة ممن تحسب على "علم الأحياء"؛ فليس فيهم عالم في الأحياء، مما يكشف حقيقة الصلة أنها ليست بعلم الأحياء ونظرياته، وإنما هي بمذهب فلسفي ارتبط بأحد علماء الأحياء، ولهذا يكون التحليل لهذه الحالة على حسب الوجه الذي عُرفت به.

المثال الأول:

ينكر "شبلي شميل" قضية الخلق الإلهي، فكل الحوادث تقع في الطبيعة، ومنها ولا شيء خارج عنها (١)، والإنسان في ذلك كالحيوان من المادة الأزلية، وكل ما فيه مكتسب من الطبيعة "وهذه الحقيقة لم يبق سبيل للريب فيها اليوم، ولو أصر على إنكارها من لا يزال مفعول التعليم القديم راسخًا في ذهنه"، وتتبع هذه المادية القول بإنكار البعث، وإنكار النبوة فليس "للإنسان شرائع منزلة إلا ما أنزل جهله عليه من الخرافات والأوهام، فشرائع الإنسان من الإنسان. ." (٢)، ويعلق "عزيز العظمة" مادحًا "يستصلح الشميل بذلك أكثر الأفكار تطورًا وطليعية في عصره، ويربطها بأفكار الأنوار التي يستلهم منها كتابات البارون دولباك، ويستنتجها بصورة مباشرة من إطار نشأتها في عموم النظرية التطورية دون مراوغة" (٣). وفي نفس السياق جاء "سلامة موسى" بالفكرة نفسها، فهو يرى تقليدًا لماديي الغرب بأن الطين قد نبض بالحياة في وقت ما، بالخلية الأولى البدائية، ثم تطورت إلى أن جاء الإنسان في قمتها، فالحياة أصلها مادي رغم كراهية الناس لذلك (٤)، وبما أنهم لا يستطيعون إيجاد دليل على نشأة الحياة من المادة فقد اكتفى بتعليل أدبي حيث قال: "وأحسن ما قيل عن الحياة بلغة الشعر التي تعتمد على أساس العلم: "إن الحياة نسيج يحوكه الضوء من الهواء" (٥)، وينتج عن هذه المادية إنكار الغيبيات والدين (٦).


(١) انظر: الفلسفة النشوئية. . . .، د. محمود المسلماني ص ١٦٧.
(٢) انظر: العلمانية من منظور مختلف، د. عزيز العظمة ص ١٨٣.
(٣) المرجع السابق ص ١٨٣.
(٤) انظر: سلامة موسى بين النهضة والتطوير، د. مجدي عبد الحافظ ص ٤٠ - ٤١.
(٥) الإنسان قمة التطور، سلامة موسى ص ٦٦.
(٦) انظر: سلامة موسى بين النهضة والتطوير، د. مجدي ص ٨٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>