للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرض والسهول والوديان، وتطور المشي على القدمين، وتحررت اليدان أكثر، مما مكنه من توظيفها في الصيد والإمساك، وهنا جاءت مرحلة الصيد، واحتجنا أكثر إلى حاستي السمع والنظر، فأوجدا الوعي -أي: الوجدان- في الإنسان، صاحب ذلك الوقوف بدل السير على أربع مما مكن الإنسان من حمل رأسه مما ساعد في نمو الدماغ، والفضل يعود إلى التطور الذي دفع القدمين للمشي وحرر اليدين فانتصب الإنسان وحمل دماغه، وبدأت الحواس تغذيه.

ومع ترك الأشجار والخروج جماعات للصيد ولدت "اللغة" بفضل التطور كحاسة للجماعة، وبدأت أدوات الكلام من رئة وحنجرة ولسان تتطور مع ذلك حتى تقوم بوظيفة الكلام، وفي مرحلة الصيد مرت سنوات طويلة ولدت فيها "خرافاته" لاستعانته على الصيد بعقائد السحر والدين، فالصيد خطر ويحتاجون إلى شيء يلهمهم الاطمئنان فكان ذلك بالتشبث بأي عقيدة.

ومع "الصيد" ظهرت رعاية بعض ما يُصاد، فظهرت رعاية القطعان، ومنها ظهر نظام القبيلة، وفيها ظهر الاعتقاد بإله. ثم جاء التحول إلى "الزراعة" فظهرت الحضارة، وظهر "الدين" الذي يجلب الطمأنينة على الزرع (١)، فجاء "الدين" في المرحلة الزراعية وإن كانت بداية أصوله من مرحلة الرعي، ويكون منبع "الدين" بحسب هذا التصور الخوف والجهل والبحث عن الطمأنينة، ويغلب على الأمثلة التي يمثلون بها ذكر الأديان الوضعية القديمة عند قدماء المصريين واليونان وغيرها، وهذه التفسيرات حتى على مستوى الأديان الوضعية هي فرضيات تنطلق من حالات حاضرة إلى الماضي البعيد جدًا، وهي موضع خلاف منهجي، إلا أن الدارونيين العرب لا ينتقلون من الحاضر إلى الماضي لدراسة أديان وضعية؛ بل ينتقلون من نتائج تلك الفرضيات حول الأديان الوضعية إلى التعميم على كل دين، ومن ذلك تعميمها على الدين الحق، فهو لا يعدو عندهم عن كونه مرحلة متطورة من تلك الأديان البدائية، وهذا "شميل" يرى بأن الدين بدأ من شعور محبة الذات بعد أن شعر بالخوف من الموت، فبحث عن شيء ينقذه ويهب له البقاء، فبدأ بعبادة آلهة لا تحصى ابتكرها خياله، ثم حصرها مع تطوره في إله واحد أقصاه عن عالم المادة والمحسوس، وتطور الدين إلى أن بلغ "مرحلة من


(١) انظر: الإنسان قمة التطور، سلامة موسى. . . . ص ٦ - ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>