للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أستاذه ونشرها أدبًا روائيًا ضخمًا بدأها بأسوأ البدايات، رواية "أولاد حارتنا" فجعل أبطالها صورة مشوهة للرب سبحانه وأنبيائه والعقائد الدينية، وقد تتبع الدكتور "السيد فرج" تلك الأبعاد الدارونية وغيرها في أدب نجيب محفوظ (١) وكيف أهلته مثل هذه الأعمال إلى الإطراء العلماني من هنا وهناك وحصل على تكريم بما قدمه عبر أدبه من هدم للدين.

المثال الثالث:

يأتي في سياق النظرة القاصرة للدارونية العربية ما نجده من كاتب مشهور هو هشام شرابي، فهو يرى أن هؤلاء الدارونيين وبخاصة النصارى منهم قد قدموا البديل العلمي لقضايا كان التراث يستأثر بها، كما نجحوا في الخروج بها من دائرتها العلمية ضمن علم الأحياء إلى مجال اجتماعي وفلسفي أوسع، ويعيد الفضل لسبنسر الذي وجد فيه الدارونيون العرب والغرب قبلهم مادة جيدة لتوسيع الدارونية لتصبح مذهبًا وحياة لأتباعها، ونتيجة لكتاباته "أضحت أفكار التطور والتقدم الاجتماعي، وصراع البقاء، والبقاء للأفضل، شعارات أيدلوجية العلمية الجديدة التي تبناها التحديثيون التنويريون" (٢)، ومن بين آثارها على الدارونيين العرب وبخاصة النصارى منهم فكرة الصراع الخاضع لقوانين عمياء طبيعية، فمصير الأفراد والمجتمعات لا يخضع لإرادة إلهية وإنما لإرادة عمياء تعمل بها الطبيعة، وبهذا وكما يقول شرابي أصبح الفكر المسيحي أكثر واقعية (٣).

هذا نموذج من نماذج عجيبة تعرض للدارونية العربية بأسلوب مادح، مع أن ما يمدح لا يستحق المدح، فليست هذه المواقف النصرانية العربية إلا نماذج من المراهقة الفكرية والتهور الذي قد يراد به مسابقة الغير في التبعية، وهم في أحسن الأحوال قد خرجوا من ضلال ليدخلوا ضلالًا أعمق منه، بظنهم أن هذا من علامات التقدم والرقي والعقلانية والعلمية.


(١) انظر: أدب نجيب محفوظ وإشكالية الصراع بين الإسلام والتغريب، د. السيد أحمد فرح، حول أستاذية سلامة موسى. . . . ص ٢٩ - ٤٤، وحول أثره وأثر الدارونية، انظر: الصفحات التالية: ص ٦، ١٤٧، ١٥٥ - ١٥٧، ١٧٥، ١٨٤، ٢٦٦ - ٢٦٨، وحول أولاد حارتنا ص ٥١ - ٥٨.
(٢) انظر: المثقفون العرب والغرب، هشام شرابي ص ١٤٧ - ١٤٨.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>