للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على خلاف فرويد فإنه يرفض الدين باعتباره وهمًا مهما كلف الأمر (١).

يخلط هؤلاء بين حاجة البشرية للدين الحق، مع وجود عِصَابات في الطريق تنحرف كثير من الناس إلى أوهام دينية، وبين هذه الأوهام، فإن الله سبحانه ما بعث أنبياءه ورسله -عليهم الصلاة والسلام- إلا لتحرير الناس من هذه الأوهام وعدم السكوت عنها أو تبريرها وإخراج الناس منها إلى نور الإِسلام. وقطعًا الملحد من هؤلاء يجعل الدين الحق مثل أديان الباطل، كلها تدخل في "فئة الأوهام"، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم وأنى لهم ذلك، فإن الله مُتمّ نوره ولو كره الكافرون.

ترفض تيارات فكرية غربية مهتمة بفلسفة العلم نظرية فرويد باعتبارها نظرية فلسفية وليست علمية، فكثير من المفاهيم التي بنى عليها صرح نظريته لا يمكن إخضاعها بصورة صحيحة ومناسبة لمناهج العلم، ولا يمكن إخضاعها لمعايير التصديق أو التكذيب أو القابلية للتحقق (٢)، وهو رأي معتبر، وهو الرأي الذي يتبناه المفكر المسلم، إلا أن أصحاب هذا التيار يقعون في مشكلة أخرى، وهي أنه لا يوجد عندهم إلا معيار واحد للتحقق، هو المعيار الحسي في النهاية وإن اختلفت أفكارهم حوله، بينما المفكر المسلم معه طريق آخر للتحقق غير الحس وهو الخبر. ورغم الفائدة التي يقدمها هذا التيار الناقد لفرويد إلا أنه من المهم الانتباه لمشكلتهم الأخرى. ومع ذلك فإن مفاهيم فرويد المتعلقة بالنفس يفضل تركها لأهل علم النفس، فهو علم يسير نحو التقدم ولابد أن يصل إلى رأي مناسب حولها. إلا أن المغالطة الواضحة التي يقع فيها المتغربون هي عدم فصلهم بين الجانب الخاص بعلم النفس وبين فلسفة فرويد وفكره وأيدلوجيته وهواه، حيث تُعرض هذه الأمور وكأنها من ميدان العلم وليست من ميدان الأفكار، فما خرج من ميدان العلم فقد خرج من ميدان التحقق التجريبي المعتمد في العلوم إلى ميدان لا يمكن التحقق التجريبي منه، ويبقى الأمر إما بخبر السماء الذي نزن به صواب الأفكار وخطأها، أو يترك عند غير متبعي الإسلام للعقول،


(١) انظر: المرجع السابق ص ١٧٤.
(٢) انظر مثلًا: نقد فيلسوف العلم "بوبر" للفرويدية باعتبارها غير عملية لعدم خضوعها لمعايير التحقق العلمية، في الفكر الفلسفي المعاصر "رؤية علمية"، د. محمد قاسم ص ٣٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>