للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نلحظ بعض الاتفاق مع طموحات بيكون، وإن كان بيكون لا يريد العلم اليقيني، ويكتفي بالعلم النافع حتى وإن لم يكن يقينًا، إلا أنه كبيكون حدد غاية العلم بالسيطرة على الطبيعة والقدرة على استثمار مواردها وكنوزها، وبقدر إيجابياتها فقد تحولت دعوى السيطرة على الطبيعة إلى آفة في الحضارة الحديثة بعد تحولها إلى دمار هائل بسبب انفلات الدعوى من عقال الأخلاق والدين، وأما الثالثة فهي تحدد مشكلة العلاقة بين الدين والعلم، وهي مشكلة اتخذ حلّها في الفكر الغربي طريقة الفصل ثم العزل؛ أي: الفصل بين الدين والعلم، ثم عزل الدين في مكان قصي.

بدأت عنايته بالعلم بعد رؤيا رآها كما يقول عن نفسه أُمر فيها بإقامة هيكل العلوم (١)، وبعد زمن بدأت عنايته في إصلاح الفلسفة، وإيجاد منهج جديد للبحث في كل العلوم (٢).

وقد كان من بين أشهر كتبه التي عُني فيها بإصلاح المنهج كتابه: "مقال عن المنهج"، وهو كتاب صغير الحجم أوضح فيه القواعد التي ينبغي على العقل أن يتبعها في بحثه عن الحقيقة في مختلف العلوم، وقد بالغ بعض النقاد في مدح هذا الكتاب من قوله: أنه كان وراء نشأة كل العلم والحضارة الغربية (٣).

ويقوم منهج ديكارت الشهير، والذي دخل بسببه باب الشهرة، على أربع قواعد، وذلك أنه يرى أن القليل من القواعد النافعة أفضل من الكثرة دون فائدة، وهي سمة بارزة أيضًا في منهج بيكون السابق ذكره، وهذه القواعد الأربع هي:

١ - ألا أقبل أي شيء أنه حقيقي إلا إذا تبينت أنه كذلك بيقين، وهذا يعني: تجنب الاندفاع في الحكم.

٢ - أي صعوبة تقابلني أقسمها إلى أجزاء بقدر الحاجة المعينة على فهمها وحلّها، وهذه عملية تحليل.

٣ - بعدها التركيب، وهي أهمها في نظر ديكارت وأن المنهج بأجمعه ينحصر فيها: فبعد التحليل نركب ونجمع الأجزاء إلى بعضها، ونرتبها وننظمها


(١) انظر: ديكارت، مهدي ص ٧٨.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٨٠.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>