للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زالت معتمدة حتى اليوم، أشبه بقواعد النحو في اللغة، فهي قوانين لحركة الأجسام التي على الأرض أو في الكون، مع العلم بأن الفيزياء المعاصرة قد كشفت أجسامًا جديدة لم تنطبق عليها هذه القوانين وهي الذرة وما في باطنها من جسيمات ليتفرغ لها علم آخر فيما بعد الكم - الكوانتم. وقد جمع نيوتن بين قوانينه الثلاثة وقوانين كبلر في حركة الأجرام السماوية الثلاثة أيضًا ليخرج بنظريته الجديدة عن الجاذبية (١). وخصص الجزء الثالث وهو أهمها "لعرض نظريته في نظام الكون وهو نظام طبق فيه القوانين التي توصل إليها في الجزأين الأول والثاني، على مجموعة المشاكل التي كانت تناقشها فلسفة الطبيعة، واضعًا حدًا نهائيًا للتفسيرات الميتافيزيقية والافتراضات التي لا تقوم على أساس من التجربة، مجتهدًا في إرجاع مختلف ظواهر الطبيعة إلى مبدأين اثنين: المادة والحركة، فاكتسبت بذلك النزعة الميكانيكية سيطرة عامة في مختلف المجالات" (٢)، وأيدت اكتشافاته المذهب الآلي الميكانيكي (٣).

ويظهر توجه جديد دوّنه نيوتن في منهجه المقترح وأصبح سمة لنظرية المعرفة عند علماء أوروبا وهو الحرص على الملاحظة والتجربة والتعبير عنها بصيغ رياضية وجبرية، وما سوى ذلك فلا يلتفت إليه، حتى وإن وُجدت حوله تساؤلات ما دام أنه لا يمكن التأكد منه رياضيًا وتجريبيًا، وذلك تبعًا لـ "نظرية المعرفة" الجديدة، القائمة على مصدرية العقل والحس والتجربة، في الرياضيات والطبيعة، وإبعاد ما سوى ذلك من مصادر؛ كالمصادر الدينية والنظريات الميتافيزيقية واللاهوتية.

وقد يوجد بعض العذر لعلماء أوروبا باكتفائهم بالعقل والحس والتجربة وبتشككهم في مصادرهم الدينية واللاهوتية؛ وذلك لما تحويه الأخيرة من تناقضات توحي أو تؤكد بعدم مناسبتها للمجالات العلمية، ومع ذلك فإن الاكتفاء بمصدرية الحس والعقل قد فتح أبوابًا لمن جاء بعد هذا الجيل من العلماء لإنكار


(١) انظر: الطريق إلى المريخ، سعد شعبان ص ٣٠ - ٣٣، وانظر: مدخل إلى فلسفة العلوم، الجابري ص ٢٧١.
(٢) مدخل إلى فلسفة العلوم، الجابري ص ٢٧١، وانظر: إسحاق نيوتن والثورة العلمية، جيل كريستيانسن ص ١١٥.
(٣) انظر: تاريخ الفلسفة الحديثة، كرم ص ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>