للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أ- اليسار الهيجلي]

لقد ورث اليسار الهيجلي مادية القرن الثامن عشر وسار بها إلى أسفل دركاتها، وورث عن تنوير الثامن عشر نزعته العدائية للدين عمومًا ولاسيّما الكاثوليكي منه.

ورغم أن اليسار الهيجلي لا ينتمي للمجتمع العلمي بمعناه الصرف، فهم من حقل الفكر والفلسفة، إلا أنهم لا يمانعون في تأييد مذهبهم المادي أو طعنهم في الدين من الاستعانة بما وصل إليهم من نظريات علمية، وهذا ماركس أبرز وأشهر اليسار الهيجلي يوصي تلميذه وصديقة إنجلز: "بدراسة الدارونية علّه يعثر فيها على شيء ينتفعان به" لمذهبهما (١)، وكان ماركس مؤسس أشهر المذاهب في أوروبا نهاية القرن الثالث عشر/ التاسع عشر وأبرزها حضورًا في القرن الرابع عشر/ العشرين، وقد صاغ مذهبه هذا "معتمدًا على المادية الدارونية التي كانت شائعة، وتعبر عن روح العصر" (٢).

ومن أهم شخصيات اليسار الهيجلي فيورباخ داعية الإلحاد والمادية الأبرز في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، ويعد أهم منظري الإلحاد، وفكرة الاغتراب التي اعتمد عليها في نقد الدين أسس عليها فيما بعد "فرويد" نظريته في علم النفس. ومنهم أيضًا شتراوس الذي يتميز بجهده في نقد النصوص الدينية، وأصبح نقده منهجًا يطبق في نقد النصوص الدينية (٣).

هكذا ظهر اليسار الهيجلي ماديًا وملحدًا وناقدًا للنصوص الدينية، ولمفهوم الدين وأصوله الكبرى ومؤسسًا لمذاهب فكرية لها امتدادها في الفكر الغربي والعالمي إلى يومنا هذا، ورغم كون جهده فكريًا بالدرجة الأولى، إلا أنه استثمر ما يعرفه من نظريات ومعارف علمية في نقده للدين ودفاعه عن ماديته وإلحاده وأنساقه الفكرية الجديدة.

وقد كان اليسار الهيجلي أبرز التيارات شهرة، وأثرًا في أوروبا في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر ومعظم القرن الرابع عشر/ العشرين وأكثرها تطرفًا ضدّ


(١) انظر: تاريخ الفكر الأوروبي الحديث، رونالد ص ٤٤١.
(٢) مقدمة في علم الاستغراب، حنفي ص ٣٠٤.
(٣) انظر: تاريخ الفكر الأوروبي الحديث، رونالد ص ٣٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>