للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين، وهكذا نرى في كل مرحلة من مراحل الفكر الغربي الحديث ظهور مجموعة تزعزع بقايا الدين والميتافيزيقا والفلسفات المثالية، كان أولها ما عرف بالإنسانيين في عصر النهضة، ثم مجموعة عصر التنوير في القرن (١٢ هـ - ١٨ م)، وهنا في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر تأتي مجموعة اليسار الهيجلي. وعلى قدر ما تُضعف هذه التيارات من مكانة الدين وصحة أصوله بقدر ما تدفع إلى الأمام المعتقدات الفكرية الجديدة التي تزعم أن لها أدلة علمية كافية.

[ب- نقاد الدين ونصوصه الجدد]

يضاف إلى هذه الموجة المادية اللادينية والإلحادية بروز ظاهرة جديدة في هذا القرن، حيث تخصص مجموعة بإعادة النظر في الدين النصراني وكتابهم المقدس وعقائدهم الأساسية، وكان أهم ما أوجع الكنيسة ما قام به كل من "شتراوس" و"رينان" من دراسات حول أسطورة ألوهية المسيح ومن نقد لكتابهم المقدس، فكان كتاب الأول "حياة يسوع" (١)، والثاني "حياة المسيح" (٢). فقد شكك هذا النوع من الكتابات المجتمع الأوروبي في دينه، ومن ثمّ في قيمة الدين المعرفية والعلمية، فإذا كانت أصوله الأساسية مشكوكًا فيها فكيف بحديثه عن القضايا العلمية الأقل شأنًا، واقتنع الكثير بعدم وجود قيمة معرفية لكتابهم المقدس؛ ولذا من الأفضل الانتقال للمصدر الجديد وهو العلم، ولا شك أن التحريف الشنيع الذي فعله "الأحبار والرهبان" بديانتهم وكتابهم المقدس والإضافات الكثيرة من قِبَلهم جعلته عرضة لطعن الطاعنين، وفرصة للضالين من الماديين والملحدين لاستثماره في دعم مذهبهم. وكانت المعركة المزعومة بين "الدين والعلم" معركة خاسرة منذ البداية، جمعت بين طرفين متناقضين، مع كل واحد منهما من الضلال أكثر مما عند الآخر؛ ولذا فستبقى معركة معلقة، وإن تحقق انتصار نسبي للتيار اللاديني، فإنه سيعقبه في القرن الرابع عشر/ العشرين بروز تيارات دينية ومثالية وميتافيزيقية تبحث عن الدين أو عن معانيه وإن كان ذلك بأوهامهم.

عندما تحرك تيار اليسار الهيجلي وأصحاب "الدراسات الجديدة حول


(١) انظر: تاريخ الفكر الأوروبي الحديث ص ٢٦٠.
(٢) انظر: كتاب رونالد السابق ص ٤٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>