للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصبح اسم "فرويد" كما يقول "سترومبرج" شائعًا ومألوفًا وامتد "تأثيره إلى ميادين التربية والتعليم والآداب والفنون والدين والفلسفة والأخلاق والثقافة الشعبية" (١).

ومما صدم به "فرويد" المجتمع الغربي -بعد خروجه من الصدمة الدارونية- المكانة الكبيرة التي جعلها للجنس؛ فإن ما يحرك الإنسان ليس العقل فقط، بل هناك جانب لا عقلي أكبر أثرًا في توجيه العمل الإنساني يعود إلى الدافع الجنسي، وسار بنظرية "داروين" إلى أبعد مجال يمكن أن تصل إليه، فالإنسان مع "داروين" ما هو إلا صورة مطورة عن الحيوان، ومع "فرويد" يصبح "الإنسان مخلوقًا تسيّره الرغبات البهيمية، وقرر أن أجمل إبداعاته ومثله العليا إنما هي في الواقع نتاج شهواته السرية" (٢). أما الدين فلم يرَ فيه فائدة لعمله، بل عدّه ظاهرة عُصابية مرضية نشأت بحسب نظريته من "عقدة أوديب" وهو يشابه في ذلك "ماركس" و"فيورباخ" و"دوركايم"، فالدين عند "فيورباخ" و"ماركس" يمثل استلابًا واستعبادًا ونوعًا من التعويض لوضع غير صحيح، وكذا هو مع "فرويد" فالمريض العصابي يجد في الدين وسيلة تعويضية، "وهذا الواقع يضع فرويد في معسكر أولئك المسمين "بالعقلانيين" وذلك من حيث كونهم أعداءً للدين، ويؤمنون بأن العقل السليم ينبغي أن يقنع ويكتفي بالنظرة الطبيعية إلى الكون". وهذه الصورة الفرويدية عن الدين فيها مزاجية ومكابرة؛ إذ هي بالمنهج العلمي غير مقبولة، وهذا ما اعترض عليه التيار الوضعي السلوكي: فمن ذاك الذي يعرف أين هي "عقدة أوديب" أو أحسّ بها، كما أن استدلاله ينقلب عليه: فإذا كان "فرويد" يقول: أن المرء متدين بسبب مرضه العصابي، فسيرد عليه المخالف: إن غير المتدين أو الملحد لم لا يكون للسبب ذاته أيضًا (٣).

هكذا دخلت العلوم الاجتماعية في قائمة العلوم العصرية ذات النظريات


(١) تاريخ الفكر الأوروبي الحديث، رونالد. . ص ٤٩٨، وانظر: مقدمة في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، أحمد بدر ص ٧٧، وانظر: فكر فرويد، إدغار بيش ص ٣٩، ترجمة جوزف عبد الله، وانظر: ما وراء الأوهام، إريش فروم ص ١٣٦، ترجمة صلاح حاتم، فرويد والتراث الصوفي اليهودي، باكان ص ٢١.
(٢) تاريخ الفكر الأوروبي الحديث، رونالد. . ص ٥٠٠.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٥٠٢، بتصرف باستثناء ما بين القوسين.

<<  <  ج: ص:  >  >>