للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشهورة لاسيّما علمي الاجتماع والنفس (١)، وأصبحت نظرياتهما بدرجة تأثير العلوم الرياضية أو الطبيعية نفسها، ومما يلفت النظر بأن صاحِبَي مدرسة التحليل النفسي في علم النفس والمدرسة الاجتماعية الدوركايمية من اليهود، مما يدفع كثيرًا من الدارسين إلى الربط بين أخلاق اليهود وضلالهم ومشكلة وجودهم داخل إطار أوروبا النصرانية ومذاهبها الفكرية وبين ما يقدمونه من نظريات في العلوم الاجتماعية، وليس ذلك الاتهام من قبل أهل الدين فقط بل قام من قبل أهل العلمنة كالذي شاهدناه في دول أوروبية علمانية طردت فرويد وغيره، وأكتفي هنا بوضعها في إطارها التاريخي ولها جانب تحليلي في فصل قادم بإذن الله.

إلا أن ما يميز العلوم الاجتماعية عن العلوم الرياضية أو الطبيعية أنها تضع الدين في صلب اهتمامها، فالدين هو قضية يمرّ بها كل إنسان شاء أم أبى، وهي قضية تعرفها كل المجتمعات في الوقت نفسه، والإنسان والمجتمع هما موضوعا علمي النفس والاجتماع.

[ج- العلاقة بين الدين والعلوم البشرية من جهتي الخبر والشرع]

نلاحظ بأن القسمين: العلوم الرياضية أو الطبيعية والعلوم الاجتماعية تلامس الدين أو موضوعاته وأصوله ومفاهيمه بأشكال مختلفة، إلا أن العلوم الرياضية والطبيعية بما فيها علم الحياة أقرب للقضايا الكونية الخبرية، أما العلوم الاجتماعية فهي تلامس القضايا الشرعية أكثر من ملامستها الكونية.

فنجد مثلًا بأن وجود الكون وقصة خلقه ووجود الإنسان وقصة خلقه، والأحداث الطبيعية من رياح ومطر وزلازل، ومن تفاعلات بين العناصر المادية، أو ما يحدث في الكائنات الحية من أحوال، كل هذه المسائل مما نجد حديثًا عنها في الدين، وهي أيضًا مجال عناية العلوم الطبيعية.

أما الأمور الشرعية المتعلقة بالواجب والمحرم والقيم والعبادات والمعاملات وغيرها، فهذه مسائل اعتنى بها الدين على مستوى الفرد أو الجماعة، وهذا النوع أيضًا أصبح مجال عناية العلوم الاجتماعية.

ومما يلاحظ في أثناء دراسة الفكر الغربي ومتابعة تطوراته أن ميدان الشرع


(١) انظر: الفلسفة المعاصرة في أوروبا، بوشنسكي ص ٥٥ - ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>