للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تشارك به النسبية في السابق، ونضيف هنا تفاعلات أخرى مع هذه النظرية.

إن هذا المخلوق العجيب الصغير الذرة قد حيّر العلماء، وأخذ من جهودهم سنوات طويلة، وأنفقت عليه دول الغرب نفقات باهظة ربما لو أُنفقت في غيره لتقدم العلم وتطور في مجالات متنوعة، ويكفي أن نلقي نظرة على ما أنفق لإنتاج القنبلة الذرية لنرى إحدى مشاكل تعامل الغرب مع عالم الذرة، حيث يقول "برنال": "وفي الواقع أن ما أنفق على إنتاج القنبلة الذرية، وهو ٥٠٠ مليون جنيه إسترليني، يفوق كثيرًا كل ما أنفق على الأبحاث والتطورات منذ بدء التاريخ" (١). وبقدر هذا الجهد الهائل حول الذرة علميًا وتقنيًا كان هناك في المقابل جدل فكري كبير حول بعض ما توحي إليه في عالم الفكر وأثر ذلك في تغيير أصول فكرية أيديولوجية وعقدية لمذاهب شتى.

١ - أول ما نلاحظه تكوّن مذاهب علمية داخل دائرة العلم عمومًا أو الفيزياء خاصة، ويعود ذلك في المقام الأول إلى أن مادة العلم الجديدة وهو عالم الذرة مادة لا يمكن رؤيتها والإحساس بها إحساسًا مشتركًا حتى تكون الأقوال العلمية حولها واحدة. فمع أن مادة البحث والنظر والملاحظة واحدة وهي الذرة؛ إلا أننا نجد أقوالًا مختلفة تكاد تشكل مذاهب علمية مختلفة. وهكذا نجد الاختلاف في طبيعة الضوء هل هو موجي أم جسيمي، ونجد تصور الذرة لا يذكر إلا مقترنًا بصاحبه (٢)، فنجد مثلًا ذرة "طومسون" أو ذرة "رذرفورد" أو غيرهما، وهكذا، فلكل عالم اقتراحه.

وهنا يبرز التساؤل المحيّر: إذا كنا نتعامل مع ظاهرة علمية تخضع للملاحظة والتجريب فلماذا لا يكون القول فيها واحدًا؟ لقد كان من الطبيعي الاختلاف في مسائل دينية أو لاهوتية أو ميتافيزيقية؛ لأن التعامل فيها يكون مع أمور غيبية أو ذهنية، فتختلف الآراء حولها, لكن هنا في ميدان العلم ونحن أمام ذرة واحدة بين أيدينا، ومع ذلك اختلفت فيها آراء العلماء، وأصبحت في دائرة ما يختلف فيه، فلماذا لا يكون العلم حاله مثل حال تلك الأمور التي اعتدنا الاختلاف فيها؟ وبهذا يضعف كونه الممثل للحقيقة لوحده، ويبطل تقديمه على


(١) العلم في التاريخ ٣/ ١٧٤.
(٢) انظر: مدخل إلى فلسفة العلوم، الجابري ص ٣٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>