للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الحقيقة ليس بتلك الصورة المتخيلة عند أصحاب النزعة العلموية. وقد كان نقاد العلم هم الأشهر صوتًا في هذا الميدان، وكانت بداياتهم في نهايات القرن التاسع عشر، وازدهرت في مفتتح القرن العشرين (١٤ هـ) (١).

هناك مجموعة أسماء أسست مجال نقد العلم في فرنسا وخصوصًا الفيزياء مثل: "بوترو" و"بوانكاريه" و"دوهيم" و"برجسون" و"لوروا"، وكان هدفهم من نقد العلم تعيين حدوده (٢). وقد سار كل واحد منهم أو من المتأثرين بهم في طريق يصب في هذا المجال. فمنهم من ابتدأ بالرياضيات، ومنهم من جعل نموذجه الفيزياء، وآخر علم الفلك، ورابع القوانين العلمية أو النظريات العلمية، وهكذا، يعيدون قراءتها وتحليلها ويبحثون خلال ذلك حدودها وقدراتها، وبصورة درامية عبّر عنها "أندريه كريسون" بأن العلم يشرع بمقاضاة ذاته (٣). وكان خلاصة ما قرروه بأنه "مهما تكن نظريات علوم الطبيعة كاملة، فلا ينبغي اعتبارها إلا كوسائل كلامية ملائمة. فلنعتبرها كوسائل لتصور الأشياء، كوسائل نافعة لأذهاننا البشرية. ولنعتبرها كمخطط، كوسيلة مذكرة، كحيلة مبتدعة للسيطرة على الكون، ويجب أن لا نعتبرها أكثر من ذلك" (٤)، وأقرّ عندها "كثرة من المفكرين، المستقلين في أصولهم، بأن العلوم الوضعية لا تتمتع إطلاقًا بتلك الدلالة وذلك المدى الميتافيزيقي اللذين عزاهما إليهما سبنسر وتين" من أصحاب النزعة العلموية، وعكف بعدها الباحثون يتحرّون "عن دلالة المفاهيم الأساسية التي تستخدمها العلوم وعن قيمتها" (٥). فلنأخذ بعض النماذج من هذا التيار:

بوانكاريه. لقد انطلق بوانكاريه في نقده للعلم من الرياضيات إلى بقية العلوم "وانتهى من نقده إلى تقرير أمرين:


(١) انظر: تاريخ الفلسفة. الفلسفة الحديثة، إميل برهييه ٧/ ١٩٩.
(٢) انظر: موسوعة الفلسفة، د. عبد الرحمن بدوي ١/ ٤٨٥، وانظر: تاريخ الفلسفة، إميل برهييه ٧/ ١٨٧، الفصل الحادي عشر (نقد العلوم)، وانظر: تيارات الفكر الفلسفي، أندريه كريسون ص ٤٠٠ وما بعدها، وانظر: الفلسفة المعاصرة في أوروبا، بوشنسكي ص ٤٢.
(٣) انظر: تاريخ الفكر الفلسفي، كريسون ص ٣٠٠.
(٤) تاريخ الفكر الفلسفي ص ٤٠٣.
(٥) انظر: تاريخ الفلسفة، برهييه ٧/ ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>