للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: هو أن العقل يتمتع بحرية تجربة واسعة في ابتكار المفهومات في الرياضيات والعلوم.

والثاني: أن النظريات الرياضية والعلمية هي في جوهرها اصطلاحية وفروض ميسرة" (١)، وهو بهذا يُسقط ما تصوره المذهب الواقعي عن النظريات العلمية من جعلها صورة طبق الأصل للواقع وإعطائِها قيمة مطلقة. فالعقل يتدخل في صياغتها, ولذا نجدها دائمًا تقبل التطور والتغير، والعالِم إنما يختار من النظريات ما يراه مناسبًا لعمله دون عنايته بموضوع مطابقته للواقع. وإذا كان الأمر كذلك فانه لا يُطبّق على النظرية العلمية معيار الصواب والخطأ ولا ينظر إليها من جهة المطابقة، وإنما ينظر إليها على أنها فرض، الغرض منه التيسير والتسهيل، ويمكن تغييرها عند الحاجة، وتم الانتقال من الصحة والخطأ إلى الملائم أو غير الملائم (٢).

- دوهيم. وإذا كان "بوانكاريه" انطلق من الرياضيات في نقده للعلم فإن منطلق دوهيم ثاني أشهر شخصية في نقد العلم كان من الفيزياء، وهما أهم عِلْمين في العصر الحديث وأدقهما في باب العلوم الحديثة. فقد كان أهم كتبه "النظرية الفيزيائية: موضوعها وتركيبها"، ومما يراه عن النظرية أنها نظام يهدف إلى تمثيل مجموعة من القوانين على أبسط وأكمل وأدق نحو ممكن، ويرى بأن القوانين العلمية ليست نسخة من الواقع، وإنما هي من خلق العقل (٣)، وربما هذا يفسر تغيّرها؛ لأنها لو كانت نسخة عن الواقع لما تغيرت. وفي كتابه المشهور: "نظام العالم، تاريخ المذاهب الكونية من أفلاطون إلى كوبرنك" في خمسة مجلدات، وجد في أثناء عرضه لمختلف المذاهب أنها ترجع في نظرياتها "إلى مذهبين: أحدهما أن النظرية العلمية تفسير حقيقي للظواهر. . . . والآخر أنها مجرد تصور للظواهر وقوانينها لا يدعي النفاذ إلى جواهر الأشياء، وهذا يجعلها


(١) موسوعة الفلسفة، بدوي ١/ ٣٨٨ - ٣٨٩.
(٢) انظر حول موقفه من النظريات العلمية وصورة نقده: تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم ص ٤٣٧، وانظر: موسوعة الفلسفة، بدوي ١/ ٣٨٦ - ٣٨٨، وانظر: تاريخ الفلسفة، برهييه ٧/ ١٨٨، وانظر: مدخل إلى فلسفة العلوم، الجابري ص ٢٩٦، وانظر: مقدمة في علم الاستغراب، حسن حنفي ص ٤١٥.
(٣) انظر: موسوعة الفلسفة، بدوي ١/ ٤٨٥ - ٤٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>