للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الإحساس به وعن التجربة، وما نحس به هو جزء من العلم الواقعي الأول وليس كلّه، وهذا العالم هو ما تعترف به الوضعية وترفض ما سواه. أما الثالث فهو عالم الفيزياء؛ أي: الصورة التي تقدمها لنا الفيزياء عن العالم، وهو من إنشاء الفكر البشري، ويحاول باستمرار الاستجابة لمتطلبات معينة، ولذا نجده يتغير باستمرار (١). فعالم الفيزياء يحاول تصوير عالم الواقع ولكنه يبقى إنشاءً فكريًا معتمدًا على الحواس والتجربة، ولذا فهو يختلف عنه وإن كان يحاول الوصول إليه.

ويأتي هذا التقسيم من أحد أشهر علماء الفيزياء وصاحب نظرية علمية كبيرة في القرن الرابع عشر/ العشرين، ومع ذلك فهو يرى بأن العلم الذي يرسمونه بنظرياتهم لا يشترط أن يكون عالم الواقع، إنما هو عالم فيزيائي من مهمته فهم العالم الأول والاستفادة منه وتفسيره.

وفي الاتجاه نفسه -بل أكثر- نجد الفيزيائي الألماني أينشتين يتجه نحو العقلانية والمثالية ضد الوضعية والمادية المعروفة في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، وتصبح النظرية معهما أبعد عن أن تكون صورة مستقلة عن الواقع وطبق الأصل عنه، ويتشابهون في هذه المواقف مع نقاد العلم.

وفي ألمانيا غير بلانك وأينشتين نجد مجموعة أخرى لها عناية بفلسفة العلم مثل ريشنباخ (١٨٩١ - ١٩٥٣ م) وهمبل (١٩٠٥ م)، إلا أنهما عرفا مع الوضعية المنطقية وكانا إليها أقرب. وكان منهم شرودنجر (١٨٨٧ - ١٩٦١ م) ممن يرى بأنه لا فصل في النظرية بين العقل والمادة، فإن العقل يتدخل في تشكيل النظرية وصناعتها وليس عارضًا محايدًا للواقع كما هو. ومنهم أخيرًا هيزنبرج (١٩٠١ - ١٩٧٦ م) صاحب مبدأ اللايقين أو اللاتحدد الذي سبق ذكره في فقرة نظرية الكم (٢).

- ونجد ثانيًا في فرنسا مجموعة كان لها نشاط بارز في مجال فلسفة العلوم


(١) انظر: مدخل إلى فلسفة العلوم، محمَّد الجابري ص ٢٩٩ - ٣٠١، وقريبًا منها العوالم الثلاثة عند فيلسوف العلم "كارل بوبر". انظر: منطق الكسف العلمي، بوبر ص ٣٦ من مقدمة المترجم د. ماهر عبد القادر.
(٢) انظر: الحديث عن جميع الألمان من "بلانك" إلى "هيزنبرج" عند د. حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب ص ٤١٣ - ٤١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>