للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النظريات. أما أصحاب الوضعية والتحليل والفيلسوف راسل ممن يعيش في بلاد غير شيوعية، فيكتفون بأن العلم ميدانه الحسّ، ومسائل الدين مما لا تحُسّ فهي إذًا غير علمية ولا يصلح أن يقال عنها: حقيقة، فهذا التيار لا يملك دليل إثبات على موضوعه، وإنما يستشهد على عدم صحة الدين بأنهم لم يحسّوا به ولم يعرفوه، وكما هو معروف فإن عدم الإحساس بالشيء لا يدل على أن الشيء غير موجود (١).

وقد لقي هذا الموقف المادي ضربات موجعة من أغلب تيارات القرن الرابع عشر/ العشرين، لاسيّما في ماديته، وإن كان كثير من التيارات الأخرى يشاركون الاتجاه المادي في الإلحاد، إلا أن ميولهم الإلحادية لا يقيمونها على العلم وإنما على وسوسات عقلية.

٥ - الوجودية. نجد أيضًا في القرن الرابع عشر/ العشرين اتجاهًا كبيرًا هو الوجودية، وهي تكاد تكون فرارًا من العلم والعقل إلى مشاكل الإنسان ذاته ووجوده، ومن الطبيعي في مدينة علمانية محرومة من شرع السماء أن تكون النظرة إلى الإنسان ووجوده بعيدة كل البعد عن المنزلة الحقيقية التي أرادها الله سبحانه لعباده. ومع ذلك فهي تحكي أزمة حقيقية عاشتها أوروبا بعد أن اعتنت بعالم المادة والحسّ والتقدم الدنيوي، وغلت في العلوم الجديدة ونسيت الإنسان، بل أرعبته بحربين كبيرتين قضت على الملايين، عندها جاءت الوجودية تدعو إلى ترك العلموية والعقلانية والوضعية والانتباه لوجود الإنسان. وبسبب ذلك فهي عادة ما توضع في دائرة الاتجاهات اللاعقلية، ويصفها "بوشنسكي" وكأنها فلسفة هندوسية (٢).

٦ - الظاهريات والبنيوية. لقد كانت الأمثلة السابقة أبرز الاتجاهات الفكرية التي انقلبت على العلم والعقلانية، وما بقي ذا صلة بالعلم فهو أبعد ما يكون عن الصورة الوضعية المعهودة في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر كالذي نجده في فلسفة "هوسرل" الظاهرية أو الفمنولوجية، وكالذي نجده في البنيوية مع "فوكو" و"شتراوس" و"بارت" و"ألتوسير" و"يونغ" وغيرهم، فهي تعتني بالوعي مع


(١) أكتفي هنا بمجمل عن التيار المادي يناسب العرض التاريخي؛ لأنه سيأتي له بحث خاص في الفصل القادم ص ٣٥٢.
(٢) انظر: الفلسفة المعاصرة في أوروبا، السابق ص ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>