للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتوجهين للغرب، ويشعرون بأن شرط قبولهم فيه هو قبول المرحلة التي قطعها الفكر الغربي في البعد عن الدين والالتصاق به، وأن مساره قد تحدد نحو المادية والإلحاد والوضعية، وبعد انغماسهم في الفكر الغربي شعروا بخطأ المتخيل عن الفكر الغربي؛ فإن تطورات حدثت داخل العلم وصاحبها تفاعلات فكرية قلبت الوضع تمامًا، وحدث ما لم يكن في حسبان الماديين، وإن كانت بدت هنا وهناك بوجه خجول وحائر: فأما الخجل فيعود إلى أنه قد ظهر من داخل العلم من رفض الإلحاد أو استغلال ثمرات العلم في دعوى الإلحاد، ولكن في جوّ علمي يسوده الإلحاد لم يكن في استطاعة مثل هؤلاء العلماء إعلان آرائهم دون خجل. وأما الحيرة فهم يرون بأن الأصول الدينية الكبرى القائمة على الإيمان بالله سبحانه، وأنه خالق المخلوقات وموجدها سبحانه، وأنه هو المدبر للأمور والمستحق للشكر والحمد، وأن مصير الناس سائر إلى يوم آخر هو اليوم الآخر، كل هذه الأصول يجدون أنفسهم تقرّ بها، وأن العلم لا يعارضها, ولكنهم حائرون فيما بين أيديهم من تراث ديني ولاهوتي عرضته لهم الكنيسة والفلسفة مليء بالتناقضات مما لا يقبله عقل سليم. وربما هذا هو ما يدفعهم للإقرار بتلك الأصول دون الاعتراف بصورتها المعروضة في الديانتين المعروفتين عندهم، وهي اليهودية والنصرانية أو بالصورة اللاهوتية والكلامية والفلسفية.

لقد وجدتُ هذا الاستحياء في عرض الاعترافات الإيمانية بما يصاحبها من حيرة فيما بين أيديهم في أثناء قراءتي لاعترافات مجموعة من البارزين في العلوم العصرية في كتابين: أحدهما يمثل مجموعة ناطقة بالإنجليزية، والثاني لمجموعة ناطقة بالفرنسية، وفيهما تعبير عن قسمي الثقافة المشهورة في الغرب (١).

فمن صور الاعترافات الخجولة ما يقوله أحد العلماء الفرنسيين عندما سُئل عن موقفه: "أشعر بالحرج إذ أتحدث عن هذا الموضوع، فالعقائد الدينية تدخل ضمن دائرة الحياة الخاصة والحميمة للإنسان، وليس من السهل التحدث عنها في


(١) الكتاب الأول: الله يتجلى في عصر العلم، تأليف نخبة من العلماء الأمريكيين بمناسبة السنة الدولية لطبيعيات الأرض، أشرف على تحريره جون كلوفرمونسيما، ترجمة الدكتور الدمرداش سرحان، عن دار القلم، بيروت، وهو النموذج الإنجليزي. والكتاب الثاني: العلم والإيمان في الغرب الحديث، هاشم صالح، كتاب يصدر عن جريدة الرياض السعودية، وهو النموذج الفرنسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>