للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلومه أحد على عدم الاحترام، بقدر ما يوحي بأن هناك مشكلة قائمة فعلًا تتمثل في تعارض بارز بين دينهم والعلم.

منذ أن اطلع الغرب على الحضارة الإسلامية وتفتح على النظر العقلي والعلمي وهو يشعر بأزمة مع دينه ونصوصه المقدسة، وقد تمت المحاولة الأولى لتصحيح الوضع في حركة الإصلاح الديني مع "لوثر" و"كالفن" وغيرهما، لكنهما استبقيا الكثير من أصول الضلال، وإن كانا قد خففا من طغيان الكنيسة على أتباعها؛ فإنهما لم ينظفا دينهم من الانحرافات العقدية الضخمة التي لحقت به. وجاءت حركة جديدة للكنيسة عقب أزمتها في الإمساك بالمجتمع المنفلت من بين يديها فظهرت في نهايات القرن الثالث عشر/ التاسع عشر حركة إصلاحية جديدة (١)، هي تلك التي يتحدث عنها "دولهاي", ولكنها تبقى مع كل ذلك في ضلالها القديم، فليست المسألة فقط في حل المشكلة مع العلم عن طريق تحويل النصوص إلى كلمات رمزية ومجازية؛ وإنما الأمر هو في الدين الذي تقدمه لشعوبها باسم رب العالمين، مع أنه تركيبة ضالة صنَعَها أحبارهم ورهبانهم عبر مئات السنين. ونحن نشعر بأن هذا الرضا الذي أظهره هذا العالم وغيره عن الكنيسة وعن المصالحة بينهما لن تستمر طويلًا؛ لأن ما بني على باطل فهو باطل، ولن يبقى أبدًا.

أما عندما يكون الدين هو من عند الله والوحي هو كلامه سبحانه دون نقص أو زيادة عندها لا يشعر أهله بوجود التعارض والتناقض، فلا تعارض بين المنقول الصحيح والعلوم الصحيحة, لذا لم يشعر المسلمون بهذا التعارض ما دام النص صحيحًا والمسائل العلمية صحيحة، وبعض مفكري الغرب العقلاء يعترفون بذلك، فهذا الفيلسوف الفرنسي "ألكس لوازون" يقول: "خلف محمد - صلى الله عليه وسلم - للعالم كتابًا هو آية البلاغة وسجل الأخلاق، وهو كتاب مقدس، وليس بين المسائل العلمية المكتشفة حديثًا أو المكتشفات الحديثة مسألة تتعارض مع الأسس الإسلامية، فالانسجام تام بين تعاليم القرآن والقوانين الطبيعية، مع ما نبذله من المساعي للتأليف بين النصرانية وبين القوانين الطبيعية" (٢).


(١) انظر: مفهوم تجديد الدين، بسطامي ص ١٠٥ وما بعدها.
(٢) الجفوة المفتعلة بين العلم والدين، محمد يوسف ص ٢٤، نقلها عن (الدين والعلم)، أحمد عزت، ترجمة حمزة طاهر ومراجعة د. عبد الوهاب عزام دون صفحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>