للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حياته تلك المحاكمة التي تعرضت لها والدته بتهمة السحر وهي كبيرة في السن, وانشغاله بمتابعة تلك المحاكمة والدفاع عن والدته، وتنقله من بلد إلى بلد، وفي أوقات المعارك بين الكاثوليك والبروتستانت، مع ما يظهر في تلك المحاكمة من دخول أهواء قوم لهم خصومات مع "كبلر" (١). كل هذه الصور تجعل مثل هؤلاء العلماء ينفرون من الدين بسبب نفورهم من الكنيسة، فهي لم تساند علومهم ومعارفهم ولم تسمح لهم بالاستقرار الاجتماعي، وكانت شهرة هؤلاء العلماء سببًا لملاحقتهم وإلصاق التهم بهم وزرع المشاكل في طريقهم. وهي وللأسف لا تمثل نفسها فقط بل تمثل الأديان، فهي في نظر أهلها الدين الأعلى والأصوب، فإذا كان على هذه الحال عندهم فهم يرون غيره أشد سوءًا، فأحدثت كما يقول "جلبي" "شرخًا بين الإيمان والعلم، خلّف ظلاله الكئيبة على كل الجنس البشري، على كل مساحات التفكير، على كل أحرار الفكر، على كل من يكتب بشكل وآخر، فأصبح الفكر والدين في تضاد وتناقض وتنافر وحرب. . . ."، و"قامت بخطيئة تاريخية رسمت فيها صراعًا وإشكالية، لم يتحرر منها العقل الإنساني ويتعاف حتى هذه اللحظة" (٢).

وقد أسهمت هذه الخطيئة فيما بعد في صرف النشاط العلمي بعيدًا عن الدين وخارج أسواره، ونظرًا لحاجة كل نشاط إلى روح تحركه وتصورات تظلّه وغايات توجهه، فقد ظلّ العلم يبحث عن بديل عن الدين، عندها سنحت الفرصة لتيارات مبغضة للدين في تمثيل آيديولوجيا علمانية تكون بديلًا عن الدين، تحركت في القرن الثاني عشر/ الثامن عشر، كتيار التنوير الداعي للدين الطبيعي، وهو دين أبرز ما فيه رفض النبوات، وهو الجانب السالب أو جانب النفي في ذاك الدين، ومعلوم أن الأديان إنما هي الإقرار بالنبوات، وظهر في هذه المرحلة أيضًا النشاط الكثيف والقوي للتيارات الماسونية (٣) ممثلة دينًا جديدًا يتناغم مع الدين الطبيعي ومع أهواء فئات خبيثة خفية تريد الانتقام من الدين، وقد ولدت


(١) انظر تفاصيل هذه الأحداث في: يوهانزكبلر وعلم الفلك الجديد، جيمس آر. فويلكل، ولاسيّما الفصل الخامس، تعريب محمد حسن شموط.
(٢) الإيمان والتقدم العلمي، السابق ص ١٦٣، ١٦٤.
(٣) انظر مثلًا: حول "أصحاب الدين الطبيعي" و"الماسونية" التي نشطت في هذه المرحلة كتاب عبد الرحمن بدوي، إمانويل كنت ص ٧٦ - ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>