للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلطة السياسية لتستبدلهما بسلطتين جديدتين، فاستبدلت الكنيسة بمعرفة علمانية جديدة، واستبدلت السلطة السياسية القديمة بسلطة علمانية جديدة في ظل الدولة القومية العلمانية التي بدأت في القرن الثاني عشر/ الثامن عشر واشتهرت في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، واتخذت الخيار العلماني كأفضل الخيارات المؤطِرة لمشروعها المؤسسي.

قامت الدولة القومية العلمانية بالمهمة نيابة عن العلمانية، وبدأت في إعادة صياغة المجتمع وفق المبادئ العلمانية، وكانت تعاني من عوائق أهمها: "الكنيسة والأسرة" (١)، فقامت بجهود كبيرة لضربهما، ونجحت في ذلك إلى حد بعيد، وجاءت مهمة علمنة الإنسان ذاته بما يعنيه من استبعاد كل بقايا الدين المؤثرة في مساره ونشاطه، فاصطدمت الدولة القومية العلمانية بصعوبة ذلك، ووجدت أن علمنته تحتاج إلى فكر يتغلغل في وجدانه، يستبطنه الفرد المقصود ثم يعيد إنتاج رؤية جديدة تتفق مع الرؤية العلمانية، فوجدت تلك الدول في فلسفات تدعي لنفسها: "العلمية والعالمية" طريقا مناسبًا لتغيير هؤلاء الناس وعلمنتهم بحسب الهدف المنشود، ومن ثم يتم استيعاب الإنسان في ظلّ علمانية مادية في عملية تدجين حقيقية تلغي إنسانية الإنسان وتنفي أي قيم عليا توجه مساره (٢).

ومما هو معلوم فإن مؤسسات العلم الحديث من معاهد ومراكز ومجامع إلى الكليات والجامعات قد نشأت جميعها في ظل الدولة القومية العلمانية، ذات الرسالة العلمانية، فتوجهت بتوجيهها؛ مما رمى بظلام كثيف من الوجهة الدينية على تلك المؤسسات وتمّ حرمانها حرمانًا تامًا من أي قبس ديني. وقد دفع هذا الوضع أصحاب الأديان الموجودة في تلك البلاد إلى فتح مدارس خاصة بهم تراعي في التعليم إبقاء الحد الأدنى من المفاهيم الدينية داخل الإطار العلمي، ولكنه يبقى محدودًا وهامشيًا (٣)، وهو يدلّ على الإقصاء الكبير الذي حل بالدين في المجتمع الغربي، والتحول الحاد من حياة يحكمها الدين النصراني إلى حياة مادية علمانية دهرية دنيوية يجاهد فيها أصحاب التدين على إيجاد هامش صغير


(١) انظر: الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، المسيري ص ١٣٥ - ١٣٦.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ١٣٥ - ١٤٦.
(٣) انظر: العلم والإيمان في الغرب الحديث، هاشم صالح ص ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>