للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين والهروب منه وعدم السماح له من الاقتراب من نشاطهم العلمي، حتى إنك تجد من العلماء من يحذر بصورة غير مباشرة ويقول: "أيتها الفيزياء إياك والميتافيزيقا" (١)، في وقت كانت الميتافيزيقا عندهم آنذاك الممثل العقلاني الأعلى للدين واللاهوت الديني. ومع أن المقولة صحيحة من وجهة نظرنا لو كانت الميتافيزيقا هي فقط أوهام الفلاسفة حول المسائل اللاهوتية، ولكن الأمر غير ذلك؛ لأنهم يدخلون فيها أيضًا ما يقره الدين.

وقد حرص "جاليليو" -وكذا من بعده من ممنهجي الفكر الغربى الحديث كبيكون وديكارت- على الدعوة للفصل بين الدين النصراني والعلم، ومما كان يخفيه -وإن لم يظهره- الفرار من الإطار الديني الذي يعرفونه رغم تصريحهم بالتزامهم بالعقائد، ولو كان ذلك صحيحًا لكانت مُقَدمة على غيرها ومعظمة في النفوس.

وربما كان الفصل بين الدين النصراني والعلم حلًا مناسبًا لوضعهم خاصة لو لم يكن هناك تيار عريض يتربص الدوائر بمفهوم الدين ذاته وهم المبغضون للدين أساسًا، الذين أحاطوا عملية الفصل بفسادهم، فبعد إنجاز الفصل؛ جاء تأطير العلم ووضع غاياته المناسبة للرؤية العلمانية الدنيوية والرافضة لكل رؤية دينية تؤمن بوجود خالق لهذا العلم يقوم على تدبيره ويستحق من خلقه أن يعرفوه ويعبدوه، والرافضة لكل الغيبيات والغايات الأخلاقية السماوية أو الغايات الأخروية.

[٣ - ظهور طائفة من العلماء الماديين والملحدين وأثرهم]

أيضًا مما أسهم به التيار العلمي في إفساد مسيرة العلم ظهور علماء ملحدين، فهم من جهة قد أصبحوا قدوة خطيرة للراغبين في العلوم الجديدة، ففي مرحلة من مراحل الفكر الغربي أصبح من الاعتقادات الاجتماعية المشهورة أن طريق العلم؛ يعني: الإلحاد، بصورة آلية، وهم من جهة أخرى وبشعور وقصد حوّلوا مسيرة علمهم نحو الغايات الإلحادية، وهي صورة برزت في التيارات الوضعية والتيارات المادية، وسأفرد لها فقرات خاصة.


(١) انظر: معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية، جلال الدين سعيد ص ٤٦١، ٤٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>