للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحسب الاستعراض الماركسي لتاريخ الفلسفة في الكتاب الجماعي "موجز تاريخ الفلسفة"؛ تجد ذلك الإسفاف في الحرص على ربط كل موقف مادي بالعلم الحديث، وبعضها يصلح لباب الفكاهة الساذجة، فقد حوّلوا الثورة العلمية مع روادها الأوائل وكأنها ثورة مادية، وما كأن العلماء وُجِدُوا إلا من أجل إثبات صحة المادية، مع أنهم كانوا ضدّ المادية غالبًا، فيقولون: "وقد أعطت نجاحات الرياضيات النظرية والعلوم الطبيعية التجريبية دفعًا قويًا لتطور الاتجاهات المادية في الفلسفة" (١)، هكذا وكأن النتيجة المحتمة للعلم هي المادية. وفي المسار نفسه في القرن الثاني عشر/ الثامن عشر، حيث يقولون: "ومع الأفكار العلمية الجديدة، أفكار الرياضيات والفيزياء والميكانيك والفيزيولوجيا والطب، بدأت الآراء الفلسفية المادية تشق طريقها إلى أذهان الناس" (٢)، وكأن العلم مصيره هو المادية. وإن سألتهم عن أكبر انتصار للعلم فهو ليس ما حققه العلماء وإنما هو -بحسب رأي لينين- مادية ماركس فهي "أكبر انتصار أحرزه الفكر العلمي" (٣). وعندما خذلتهم الفيزياء المعاصرة -فيزياء ما بعد الذرة والكم والنسبية- انبرى "لينين" ليدافع عن تلك المادية قائلًا: "إن الفيزياء المعاصرة في حالة مخاض، إنها تلد المادية الديالكتيكية" (٤)، ويقول أيضًا في كلام يعرف كل العالم آنذاك كذبه: "أثبتت الاكتشافات الأحدث في علوم الطبيعة صحة مادية ماركس الديالكتيكية، وذلك رغم أنف الفلاسفة البرجوازيين وارتداداتهم الجديدة نحو المثالية القديمة العفنة" (٥)، فعلى هذا الشكل الآيديولوجي الفج كانت تتم عملية الارتباط بالعلم، عملية كاذبة في حقيقتها، فهي عبارة عن عملية استغلال بشعة للعلم، وكما رأينا في الفصل الأول فرواد الثورة العلمية غير ماديين وبعضهم من رجال الكنيسة واللاهوت، بل العلماء المشاهير الذين خدموا العلم وقدموا إضافات كبيرة لصالحه؛ كان أكثرهم


(١) موجز تاريخ الفلسفة، جماعة من الأساتذة السوفيات ص ١٤٢.
(٢) المرجع السابق ص ١٩٣.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٤١٧.
(٤) أضواء على الفكر الماركسي الكلاسيكي. لينين (المادية ومذهب نقد التجربة)، إعداد توفيق سلوم ص ٢٣١.
(٥) موجز تاريخ الفلسفة ص ٥٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>