للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن صور الاستثمار الحسن ما يفعله بعض المسلمين من الاستدلال على عظمة الخالق سبحانه بالاكتشافات العلمية المهمة، أو يثبت عظمة القرآن في كشفه لحقائق ما علمها الناس إلا بعد قرون. وفي المقابل فمن أبشع صور الاستغلال ما قام به الاتجاه المادي في العصر الحديث من خلال استغلاله للعلم وثماره في الدعوة للمادية والإلحاد.

وعلى هذا فما قام به الاتجاه المادي نحو العلم هو الاستغلال والخداع وليس الاستثمار المشروع، انطلق في ذلك من خلال آليته المفضلة آلية "التعميم" لنتائج العلم على قضايا تدعم المذهب المادي، وهي من أعظم نقاط الانحراف بالعلم في العصر الحديث.

يرى أصحاب الاتجاه المادي بأن المادية قد انبثقت من العلم، وهي في الوقت نفسه الشرط الضروري لاستمراره ونجاحه، فالمادية بزعمهم تساعد العلم على التطور وتقدم له السلاح المناسب (١)، لينتقلوا بعد ذلك خطوة أخرى للقيام بعمليات كبيرة من أجل استغلال هذه العلوم لصالح المادية عن طريق التعميم لنتائج العلم بما يخدم المادية، ومن أبرز صور التعميم ما قام به مؤسسا الماركسية في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر الميلادي، ثم ما قام به مجددها لينين في القرن اللاحق.

نجد في الطور الأول ادعاء أصحاب "موجز تاريخ الفلسفة" الماركسيين في قولهم: "برهن مؤسسا الماركسية أنها هي الفلسفة الوحيدة المؤهلة للقيام بالتعميم الخلاق لمنجزات العلوم الطبيعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وفي الوقت نفسه هي ضرورية -أي: الماركسية- لهذه العلوم كأساس فلسفي لطورها اللاحق" (٢)، أتبعا هذا الإعلان بقيامهما في سبعينيات القرن التاسع عشر بعمل تطبيقي لذلك التعميم، ففي هذه المرحلة انصب اهتمامهما على تعميم معطيات العلوم الطبيعية على المادية لثلانة أسباب أعلنوها: أن الماركسية في تلك المرحلة ومع انتشارها تحتاج إلى دعم لإثبات صحة دعواها، وخير سند لذلك هو العلم. والثاني أن التطورات العلمية شارفت الكمال وبلغت درجة عالية من


(١) انظر: أسس الفلسفة الماركسية ص ١٥.
(٢) موجز تاريخ الفلسفة ص ٤٤٧ مع تصرف قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>