للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النضج مما يجعلها مؤهلة للاستغلال. والثالث أن الماركسية تعاني من أعداء -إما من أصحابهم الماديين مثل الدارونيين الجدد، كـ"بوخنر" وغيره أو من ماخيين وضعيين أتباع "ماخ" أو من أعدائهم المثاليين واللاهوتيين (١) -, ولذا فهي محتاجة لسلاح العلم. ويتضح أن المقصود من تعميم العلم هو استخدامه كسلاح في وجه الخصوم مع ما في ذلك من القيام بكل الخدع اللازمة التي لا تستغني عنها حرب دائرة بين طرفين، وقد ينطلي ذلك على المعجبين بالمادية لظنهم أنها علمية في تصورها ومنهجها، وعلمية في حربها مع خصومها، دون الوعي بأن التعميم إنما هو صراع بكل ما يعنيه الصراع من استخدام للخداع والحيل وارتكاب كل ما يحقق الفوز وإن قبح.

ولكن حدث بعد إنجاز المؤسسين لعملهما ما لم يكن في الحسبان، إذ وقعت تطورات متسارعة ذات دويّ مجلجل ظن معه المهتمون بالعلم أنهم أمام انهيار كامل لكل ما مضى وميلاد عصر جديد للعلوم الفيزيائية (٢)، وتبع ذلك أزمة وقع فيها الماديون المعظمون لـ"ماركس"، فكيف يفعلون بتلك المقدسات الموروثة عن "ماركس"، وبقيت هذه الأزمة حتى جاء "لينين" من جديد ليمثل الطور الثاني للمادية الماركسية وليمارس عملية استغلال جديدة لثمار العلم الجديدة، ومثل البيان السابق لـ"ماركس" و"إنجلز" نجد بيانا آخر لـ"لينين" بأن: "المادية الديالكتيكية هي الفلسفة الوحيدة المؤهلة للقيام بالتعميم الفلسفي للاكتشافات الجديدة في علوم الطبيعة. . . ." (٣)، وكما قام المؤسسان بعمل تطبيقي للاستغلال فكذلك فعل "لينين"، فبعد بروز "المثالية والدين" إلى الساحة من جديد بسبب الثورة العلمية المعاصرة التي سحبت السلاح من أيدي الماديين


(١) انظر: المرجع السابق ص ٤٤٨.
(٢) سبق الحديث عنها في الفصل الأول في أثناء الحديث عن نظريتي: النسبية والكوانتم ص ٢٣٧. وقد جاءت الصدمة الفيزيائية للماديين وقت نجاحهم السياسي وما تبعه من قيام المعسكر الشيوعي، فتقابل صعودهم السياسي وقوتهم المادية في الميدان مع انهيار سندهم العلمي، بل تحول سندًا لخصومهم وأصبح سيفًا مصلتًا عليهم، ورغم التطورات التي حدثت في النصف الثاني من القرن العشرين وانهيار المعسكر الشيوعي؛ فإن المذهب المادي يبقى موجودًا على مستوى الفكر ولن يعدم ورثة هنا أو هناك، ومن الخطأ ربط نجاح الأفكار دائمًا بنجاح الأنظمة السياسية.
(٣) موجز تاريخ الفلسفة ص ٥٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>