للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣ - إقحام المادية في الرياضيات]

لم يكن الوضع الاستغلالي السيئ فقط في العلوم الطبيعية "الفيزياء والكيمياء والأحياء"، وإنما تم الادعاء أيضًا على مستوى العلوم الرياضية، فقد حدث للرياضيات في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر تطورات مهمة، فأسرع إليها الماديون ينقبون فيها عمّا يدعم ماديتهم. وفي مظهر من مظاهر الاستغلال يشعرك وكأن كل علم ما ظهر إلا من أجل المادية، وكما يقول أصحاب الموجز: فقد اشتغل "ماركس" و"إنجلز" بالمسائل الفلسفية لعلم الرياضيات وما تعكسه عن عالم الواقع المادي وتمّ تسرب الديالكتيك إلى بعض فروعها، وإن كان انشغالهما بالرياضيات قبل ظهور التطورات الخاصة بالهندسة اللا إقليدية، ومع ذلك فقد عرض الماركسيون إنجازات ماركس وإنجلز وكأنها مبشر بالاكتشافات الرياضية الجديدة قبل ظهورها (١).

وفي النهاية لم يترك المذهب المادي فرصة لاستغلال العلم إلا وسلكها؛ موظفًا كل ذلك في دعم الرؤية الإلحادية، والمقصد هنا بيان الأثر الكبير الذي قام به الماديون في إفساد مسيرة العلم الحديث بتقويله ما لم يقله وتوظيفه فيما يعكر رسالته.

[هـ - التوظيف المادي للعلم من أجل إلغاء الدين]

من أوضح ما ميّز المذهب المادي عن بقية المذاهب الفكرية هو حربه الضروس ضد الدين، واستغلال كل صغيرة منه أو كبيرة من أجل إزالة الدين عن وجه الأرض وأنّى لهم ذلك، ومن بين ما يميّز المادية الحديثة استنادها الكاذب إلى العلم في موقفها من الدين، فصوروا العلم على أنه لا يمكنه بحال من الأحوال أن يقبل الدين، وأن انتشار العلم كما يزعمون يعني تصفية الدين ومحوه من الوجود.

نلاحظ بأن أكثر المذاهب غير المذهب المادي -حتى وإن ظهر فيها الإلحاد- تُظهر نوعًا من التسامح مع الدين، فنجد العلمانية مثلًا قد سمحت ببقاء الدين في الكنيسة وترك مسألة الإيمان لاختيار الفرد، بخلاف الاتجاه المادي الذي يرى أن من واجبه إلغاء الدين تمامًا.


(١) انظر: موجز تاريخ الفلسفة ص ٤٥٩ - ٤٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>