للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التأملية، وأصبح التفكير الوضعي من علم وفلسفة هو طريق النجاة" (١)، والمراحل الثلاث باختصار هي: المرحلة اللاهوتية، فمشاهدات الإنسان محدودة فيكملها بخياله ليصل به السير "إلى نقطة الإيمان بإله واحد على سائر الآلهة والقوى"، يعقبها مرحلة ميتافيزيقية تستبدل الإله بفكرة مجردة أو قوّة غير مشخصة تفسر كل الظواهر، على أنه يرى في المرحلة الميتافيزيقية "مرحلة انتقال مهمتها أن تفكك أوصال التفكير الروحاني الذي ساد المرحلة الأولى تمهيدًا للمرحلة العلمية التي هي نهاية الشوط"، هكذا تحددت وظيفتها في هدم المرحلة اللاهوتية لكنها لم تضع مكانها شيئًا، فساد خلالها الشك والاضطراب حتى جاءت المرحلة الوضعية "حيث حلت مشاهدات الحواس، وتجارب العلماء محل خيال اللاهوتي وحجاج الفيلسوف الميتافيزيقي" ولم يعد الإنسان "يبحث عن "علل أولى" يرد إليها الطبيعة وما فيها، بل يبحث عن "قوانين" تصور الاطراد الملحوظ في الظواهر الطبيعية؛ أي: أنه يبحث عن "العلاقات". . . ." (٢)، وهي المرحلة الوضعية العلمية.

ومع أن الاعتراضات النقدية قد وجهت لقانون المراحل الثلاث، وبينت عدم صحته، إلا أن الهدف المنشود منه قد تحقق، حيث أظهر في الوسط الفكري والثقافي بأن الدين كان يناسب مرحلة من الزمن ثم تلاشى أثره، وجاء بعده الميتافيزيقا التي تناسب مرحلة أخرى تلاشى أثرها أيضًا بمجيء عصر العلم الذي أتى بالمرحلة الوضعية، ويختلف موقفه عن هيوم الذي يرى الدين والميتافيزيقا أوهامًا، فـ "كونت" يراها صحيحة ومناسبة في وقتها ولكنها لا تصلح لعصر العلم، ولكن النتيجة واحدة مفادها بأن الدين واللاهوت والميتافيزيقا قد ولّى زمنها مع ميلاد العلم وعصره الوضعي.

وعندما يقرّ "كونت" عبر منهجيته التطورية بمناسبة الدين لمرحلة معينة في الزمن، لا يعني اعتقاده بصحة الدين أو إيمانه بوجود الرب سبحانه؛ لأنه يعلن إلحاده صراحة، ولكنه يقبل بها مرحلةَ من مراحل التفكير البشري هي ما يستطيعه


(١) نحو فلسفة علمية، زكي نجيب محمود ص ٤٥.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٤٥ - ٤٨، الإيمان والمعرفة الفلسفية، د. محمَّد هيكل ص ٧١ - ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>