للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والانحلال والتفلت من شرائع الأديان وتلونها عند الحاجة، وكما يقول "دافيد باكان": "مهدت الساباتية في بداياتها، التي كان من المفروض أن تتحول إلى حركة إصلاح وليبرالية، ليهود الغيتو طريقًا أوليًا إلى التيارات الكبرى في الحضارة الغربية. فرض هذا الطريق على اليهود قطعًا سريعًا ودراماتيكيًا مع تراثهم القديم، ورفضًا ليهوديتهم. أما مع الهاسيدية فكان الانتقال أكثر بُطءًا وانتظامًا، مما سمح للتراث اليهودي بالتكامل مع الحضارة الغربية" (١)، وهكذا كان التيار اليهودي المنفتح على أوروبا مغرقًا في انحرافاته الذاتية قبل أن ينفتح على غيره؛ ليسهم بانحرافاته في توسيع دائرة الانحراف في الفكر الغربي الحديث وبنية مجتمعه، كما أن هذه التيارات المنفتحة ستكون مصدر التلقي لعلماء يهود يبرزون فيما بعد، تؤطر وجهة نظرهم للوجود والحياة والعلاقة مع العلم والفكر.

٣ - الحدث الثالث: الثورة الفرنسية (١٧٨٩ م):

جاءت الثورة الفرنسية بعد حركة التنوير المشهورة التي أثرت في فرنسا، وفي الفكر الغربي عمومًا، وممن تأثر بحركة التنوير طائفة من اليهود مثل جماعة "الهكسالا"، واخترقهم خيار العلمنة مشاركين في ذلك الأوروبيين المتأثرين بالعلمنة. على أن العلمانية تُعدّ مدخلًا مهمًا لتغلغل اليهود في المجتمعات الأوروبية، وسيكون لهذا الجيل اليهودي العلماني دورٌ كبيرٌ في مستقبل اليهود ليس في أوروبا فقط، بل في العالم كله، مع أن هذا التيار العلماني سيفتح مشكلة شائكة داخل اليهود تمثل ذلك في انقسامهم إلى اتجاهين كبيرين (٢)، وهما الاتجاه المتدين الرافض للعلمانية، والاتجاه العلماني الرافض لسيادة الدين والداعي إلى قيام نظام علماني لا ديني وهو الذي نجح في النهاية بعد أن ساند


(١) فرويد والتراث الصوفي اليهودي، دافيد باكان ص ٩٩، ترجمة د. طلال عتريسي، و"الساباتية" نسبة إلى "ساباتي زيفي" من مهاجري إسبانيا، له أثر في تيار الباطنية اليهودي، وله ادعاءات كثيرة، تنقل في أوروبا، وأعلن إسلامه في تركيا وعين مساعدًا للسلطان، وله أحداث أخرى، وقد انتشرت طائفته في أوروبا لاسيما في مهاجري الأندلس، انظر: المرجع نفسه، الفصل الرابع عشر ص ٨٥، وأما "الهاسيدية" فأسسها "بال شم" أول الثامن عشر، ذات نزعة صوفية باطنية تمثل امتدادًا للحسيديم السابق ذكرهم، انظر: نفس المرجع، الفصل السادس عشر ص ٩٦، وانظر: كتاب حسن ظاظا ص ٢٦٤ مع التنبه إلى اختلاف الكتابين في ترجمة اسم المؤسس.
(٢) انظر: إشكالية الهوية في إسرائيل، د. رشاد الشامي ص ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>