للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضعها في مكان حتى يظهر من أعدائها من يسعى إلى خرابها. بدأت مع التتار والمغول وختمت قبل العصر الحديث بالحروب الصليبية، ومع كل تلك الصعوبات فقد نجح المسلمون في الارتقاء بهذه العلوم ومناهجها، وإعطائها صورة جديدة عملية ونافعة (١).

عرض ابن خلدون ما عُرف منها إلى زمنه، وعرض واقعها الموجود، وكما عرض ضمن العلوم النقلية بعض العلوم التي يحسبها أهلها من علوم الشريعة، وهي ليست كذلك وبيّن هو بنفسه ذلك؛ فكذلك هنا عرض كل ما يدخل تحت دائرة العلوم العقلية: الصحيح منها والفاسد، وإن كان يُتبع الفاسد منها بالنقد والتحذير، وهذه العلوم عددها سبعة وهي: "المنطق ثم التعاليم وهي أربعة علوم: الأرتماطيقي والهندسة والهيئة والموسيقى. ثم الطبيعيات، ثم الإلهيات"، و"لكل واحد منها فروع تتفرع عنه: فمن فروع الطبيعيات الطب، ومن فروع علم العدد علم الحساب والفرائض والمعاملات، ومن فروع الهيئة الأزياح. ." (٢). ثم تحدث عن كل واحد منها، وتصنيف أهل الأمم السابقة فيها لاسيّما اليونان، ثم حالها بعد أن أخذها المسلمون وما أضافوه إليها وما أبدعوه فيها، وأوضح دور المنصور، ثم المأمون في جلب هذه العلوم، وبين أنهم نقلوا أيضًا ما لا نفع فيه، وبين الآثار السلبية لها، ومما قاله: "ودخل على الملة من هذه العلوم وأهلها داخلة، واستهوت الكثير من الناس بما جنحوا إليها وقلدوا آراءها، والذنب في ذلك لمن ارتكبه. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: ١٣٧] " (٣)،


(١) هناك فتن أقدم، فقد وقعت حروب الردة في السنة (١١ هـ)، ثم فتن الانقسامات داخل المسلمين بسبب ظهور الأهواء والبدع، فقد ظهر في كل عصر من عصور المسلمين من الفتن والحروب ما يعطّل مسيرة الأمة، منها مثلا: ثورة الزنج (٢٥٥ - ٢٧٠ هـ)، والقرامطة (٢٧٧ - ٤٧٠ هـ)، والبويهيين (٣٣٤ - ٤٤٧ هـ)، الحشاشون (٤٨٣ - ٦٥٤ هـ)، ,والحملات الصليبية (٤٨٩ - ٦٩٢ هـ)، وجاء الغزو المغولي المدمر سنة (٦٥٦ هـ)، انظر: موجز التاريخ الإِسلامي. . . .، أحمد العسيري ص ١٩٥ - ٢٠٣.
(٢) انظر: المقدمة ٣/ ١١٢٠، وقد عرّف المحقق بالمصطلحات لمن أراد معرفة معنى كل علم منها فتراجع في هوامشه، وانظر أيضًا: مفاتيح العلوم للخوارزمي، وسيأتي ذكرها نهاية هذه الفقرة.
(٣) انظر: المقدمة، ابن خلدون ٣/ ١١٢٤، وانظر: نقض المنطق، ابن تيمية ص ١٩، تصحيح محمد الفقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>