للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك في شرق العالم الإِسلامي في الهند وما جاورها، وهي المناطق الأولى في الاحتكاك بالغرب لاسيّما مصر وتونس وتركيا، مما ولّد علاقة غير سليمة مع الحضارة الغربية، فهذه الحضارة فيها الكفر والإلحاد والانحلال، وفيها أيضًا العلوم النافعة والصناعة والتقنية والإدارة. لم يظهر من الطرق الصوفية ما يكشف لنا انتباههم لخطورة الموقف واتخاذ القرار المنهجي الصحيح؛ وإنما كان موقفهم السائد من الغرب هو رفض كل ما عنده وتزهيد الناس في ذلك، وهو لا يخرج عن الروح العامة للتصوف من عدم الحرص على العلوم ما لم تكن علوم التصوف ومن التواكل وعدم الانتباه لبذل الأسباب وإعداد العدّة والقوة (١).

وإذا كان الكثير من أتباع الطرق الصوفية يحتقرون العلوم الشرعية أو لا يحرصون على تعلمها اكتفاءً بعلوم التصوف؛ فمن باب أولى العلوم الدنيوية وعلوم العمران، والكلام هنا عن الأغلب؛ وإلا ففيهم من كان من أهل العلم ودعا الأمة إلى طلب أسباب القوة، ولو كان من علومٍ عند الكفار إذا كانت نافعة، ولكن هذا يغلب على المتكلمين منهم -أتباع أهل الكلام- بخلاف الموغلين في التصوف (٢).

أما الصورة الثانية: فهي الضعف، فمن سلم من بدع التصوف أو ما شابهها لم يسلم من الضعف العام وما ارتبط به من انتشار الأمية والفقر والمرض والخوف، ساعد في استمرار هذه الحال ضعف الزعامات العلمية والسياسية والاجتماعية، حيث لا تحرص على رفع الأمة عما هي عليه، أو هي مشغولة بصراعات وفتن متتالية.

[٣ - البحث عن مخرج لأزمتي الانحراف والتخلف]

يرجع مجموع ما اقتُرح من مخارج إلى اثنين: إما ديني وهو ما ركز عليه أغلب قواد الفكر الإِسلامي، أو دنيوي (٣) وقد غلب على رجال السياسة، مع


(١) انظر: البحث المميز: الانحرافات العقدية والعلمية. . . .، علي الزهراني ص ٤٦٩ - ٤٧٥، حول موقف الصوفية من العلم في هذه المرحلة.
(٢) من أولئك مثلًا الشيخ "حسين الجسر" في الشام، و"حسن الطويل" في مصر، و"محمود قبادو" في تونس، وسيأتي الحديث عنهم بإذن الله لاحقًا.
(٣) انظر: الاتجاهات الفكرية عند العرب. . . .، علي المحافظة ص ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>