للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان أحد أخطر ما وقعت فيه تلك التجارب هو الابتداء بطلب إصلاح الدنيا قبل إصلاح أمر الدين، فدخلوا مشاريع الاحتكاك بذات ضعيفة أمام التحديات؛ مما جعل ذلك الاحتكاك جسرًا لعبور الصحيح والفاسد إلى الأمة الإسلامية.

بدأت تلك المحاولات تحت مصطلح التحديث والمدنية وغيرهما (١)، فطلب التحديث أصبح ملحًا في ظلّ الضعف الذي انتشر في الأمة مع ما يصاحب ذلك من تحديات تتهددها من هنا أو هناك. وقد كان المضمون الغالب لهذا المصطلح هو التحديث المادي بالاعتماد مباشرة على أوروبا بسبب ما حدث فيها من تقدم دنيوي بارز. ولكن أوروبا كانت في الوقت نفسه قد بدأت تتأهب للانقضاض على العالم الإِسلامي، مما يجعل من طلب مساعدتهم في التحديث وهم يريدون لنا الشرّ أمرًا في غاية الإشكال والخطورة.

كانت الدولة العثمانية هي الممثل الأهم للعالم الإِسلامي في تلك المرحلة، وأغلب بلاد المسلمين تدين لها بالولاء ولو بالاسم كما يقال، وقد جعل ذلك المهمة عليها أكبر من غيرها، وفي الوقت نفسه هي تلاقي تحديات لا يلاقيها غيرها لكونها المسؤولة عن حماية بلاد المسلمين لاسيّما من أوروبا الطامعة، ويتبعها في المسؤولية بعض ولاياتها المهمة ذات الاحتكاك المباشر بأوروبا، وأهمها آنذاك مصر التي مثلت نقطة البداية لأطماع الأوروبيين، ثم تونس وما حولها من بلاد المغرب لقربها من دول أوروبا القوية لاسيّما فرنسا، وقد كانت إيران ذات الحكم الشيعي -أسرة القاجار- قد احتكت بأوروبا عبر صراعها المرير مع روسيا الصاعدة آنذاك، وكذا الهند الإِسلامية التي تغلغل فيها الإِنجليز عبر شركاتهم أولًا، ثم تحولت هذه الشركات إلى قوة احتلال مما جعلها على اتصال بأوروبا (٢).

لا شك أن التحديات الخارجية على هذه النقاط الخمس: عاصمة الخلافة ومصر وتونس وإيران والهند أكثر وضوحًا، وقد كانت بلاد الشام والعراق


(١) انظر: أسس التقدم عند مفكري الإِسلام، د. فهمي جدعان، الفصل السادس: القيم ص ٣٩١ وما بعدها.
(٢) سيأتي الحديث عنها في فقرات قادمة بإذن الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>