للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترجمت باللغة التركية والعربية، وفيها أعمال كثيرة وأفعال دقيقة أطَّلعنا على بعضها، وقد تتحول تلك الأعمال بواسطة الأصول الهندسية والعلوم الطبيعية من القوة إلى الفعل. ." (١)، وبعدها تحول من المُحصّل إلى المعلم، فاهتم بالتعليم وحث الأزهريين على إدراك حقيقة واقعهم الثقافي والعلمي، ورأى "ضرورة إدخالهم المواد الممنوعة كالفلسفة والأدب والجغرافيا والتاريخ والعلوم الطبيعية"، ونبههم إلى ضرورة إقلاعهم عن أساليبهم في التدريس، وقام بنفسه بتدريس الجغرافيا والتاريخ, وكتب في المنطق والفلك والطب والطبيعة والكيمياء والهندسة، مع إعلانه إعجابه بتحويل الفرنسيين علومهم إلى عمل (٢)، وهو الذي كان فيما بعد صاحب فكرة إرسال تلميذه المشهور رفاعة الطهطاوي في البعثة العلمية إلى فرنسا.

يمثل "العطار" أول نموذج واضح لرجل من علماء الأزهر والعارف بعلوم الشريعة وأحد أساتذتها، وفي الوقت نفسه على معرفة ببعض العلوم الأخرى كالفلك والطب كما هي في تراثنا ليضيف إلى ذلك اطلاعه على ما حدث لتلك العلوم في أوروبا ويدعو إلى تحصيلها والانتفاع بها، والأمر في الجملة لا غبار عليه بل هو الأفضل لمن قدر على ذلك، فإن تاريخ المسلمين ما فتئ يحفظ لنا من علماء الشريعة من كان عنده إلمام واطلاع وثقافة بالعلوم الأخرى كالفلك والطب والحساب وما في بابها، فهذا "الرازي" أحد علماء الأشاعرة المشهورين الذي جمع إلى معرفته بالتفسير وأبواب شرعية أخرى؛ اطلاعه على ما عُرف في زمانه من علوم، وهذا "ابن تيمية" و"ابن القيم"، أبرز أعلام أهل السنة في القرون الأخيرة، مع كونهما من أهل الاجتهاد والإمامة في الدين؛ فلديهما أيضًا اطلاع واسع على كثير من علوم عصرهم، ويكفي النظر لفهرس فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية لنعرف مدى معرفته بمناهج تلك العلوم وأهلها وكتبهم وتقديمه بعض مسائلهم، وكذا بالنظر في جزء من كتاب زاد المعاد لابن القيم المتعلق بالطب لنرى كيف جمع مع الطب النبوي ما هو معروف في زمانه من المسائل الطبية من "جالينوس" إلى طبيب العرب "ابن كلدة"، إلى طبيب فلاسفة المسلمين "ابن سينا"،


(١) المرجع السابق ص ٣٠ - ٣٢.
(٢) انظر: المرجع السابق المعطيات نفسها.

<<  <  ج: ص:  >  >>