للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلاد الشام؛ قمع أهل الدين وفتح الباب للنصارى ومكنهم من المسلمين واستعان بهم (١)، واستمرت هذه الحال مع أبناء محمَّد علي حتى تمكن المستعمر فيما بعد من احتلال بلاد المسلمين.

وإذا كان الأجانب قد فشلوا في مشروعهم النابليوني؛ فقد وجدوا في ولاية محمَّد علي وأبنائه ما يعوّض ذلك الفشل، فما فقدوه برحيل بونابرت عوّضه محمَّد علي، حتى بعض أعضاء حملة بونابرت من خبراء وضباط قد وجدوها فرصة لمواصلة الدور، وكان منهم على سبيل المثال "جومار" عضو المجمع العلمي والجغرافي المعروف والمشرف على الكتاب الذي أخرجه الفريق العلمي حول مصر المصاحب لحملة بونابرت، الذي أصبح المشرف على مبتعثي محمَّد علي إلى فرنسا (٢)، وأحد مستشاريه في التعليم. وكذا أحد ضباط جيش بونابرت الذي فقد عمله في غزوات بونابرت بعد عزل بونابرت ليجد فرصته في تأسيس جيش محمَّد علي الجديد (٣)، وهكذا تغلغل الأجانب في هذه الدولة الناشئة.

صحيح أن "محمَّد علي" القادم من ألبانيا -وهي جزء من القارة الأوروبية- على علم بما في أوروبا من تقدم دنيوي ومادي حيث كان قريبًا من تلك البلاد، ولكن الغريب من أحد الولاة المسلمين فتحه الباب على مصراعيه -وبهذه الطريقة المحزنة- للأجانب ليتمكنوا من بلاد المسلمين رغم حساسية الوضع، وتَهيُّؤ الغرب لمعركة خطيرة مع الأمة الإِسلامية.

لقد كان من بين الأمور المعلنة حول استعانته بهم وفتحه الباب لهم أنهم أهل الحضارة المادية، وكان الأجنبي أيضًا يسوق نفسه عند "محمَّد علي" عبر إغرائه ببناء دولته على نمط دول أوروبا، ومن ذلك وعده بنشر العلوم الحديثة في ربوع مصر، ولكن إذا صح بأن هؤلاء الأجانب على دراية بالعلوم الحديثة؛ فإن


= فترأسوا بذلك، وعلت أسافلهم، كما أنه كان يحب السيطرة والتسلط، ولا يأنس لمن يعارضه) عن الصلابي، الدولة العثمانية. . ص ٣٨٥، عن تاريخ الجبرتي ٤/ ١٥٠.
(١) عند احتلاله للشام فتح الباب على مصراعيه للبعثات التبشيرية، وكان عام (١٨٣٤ م) عام تحول خطير؛ حيث برز جهد النصارى من أوروبا وأمريكا، وانتشرت مدارسهم ومطابعهم. انظر: الدولة العثمانية. .، الصلابي ص ٤١٠.
(٢) انظر: تخليص الإبريز في تلخيص باريز، رفاعة الطهطاوي ص ٣٩٠.
(٣) انظر: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، جرجي زيدان ١/ ٢٣٢ ومما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>