للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العصرية وأدوات صناعة المدينة الحديثة هو قرار أو مشروع الابتعاث، والذي يظهر أن مثل هذا العمل لم يحدث في تاريخ الأمة الإِسلامية، فالمعهود هو إرسال شخص أو أن يتحمس أحد الناس لطلب ما عند الأمم الأخرى من علوم فيذهب إليهم، أو طلب أحد الماهرين من أبناء تلك الأمم ليعلم بعض أبناء المسلمين مثل هذه العلوم، أو نقل كتبهم ودراستها دراسة ذاتية، أما أن يتم إرسال طلبة يدرسون في مدارس الأمم الأخرى، ثم يعودون لنقل ما درسوه؛ فما اشتهر إلا مع هذه التجربة التي قام بها محمَّد علي، وقد سار على هذه الطريقة فيما بعد مركز الخلافة (١)، ثم أغلب ولاة المسلمين في ذلك القرن، واستمر هذا في القرن اللاحق بعد سقوط دولة الخلافة والوقوع في فخّ الاستعمار، واستمر أيضًا مع ولادة دول ما بعد الاستعمار، حيث يعدّ الابتعاث -وإلى الآن- السياسة المتبعة في تحصيل العلوم والصنائع والفنون من الغرب.

لقد أصبح مصطلح "الابتعاث" مكونًا من مكونات التعليم في العالم الإِسلامي، ولا تجد إلى الآن مؤسسة تعليمية إلا وفيها إدارة خاصة للعناية بالابتعاث، ومع أننا لما يقرب من قرنين نبتعث؛ إلا أن ذلك لم يحقق لنا الاستقلال المعرفي، ربما لأننا لم نراجع مثل هذا المصطلح، ولم نبحث عن إمكانية التخلص منه والبحث عن طريق آخر للخروج من مأزق التبعية المعرفية.

بعد أربعة أعوام من تولي "محمَّد علي" السلطة أرسل البعثة الأولى إلى إيطاليا سنة (١٨٠٩ م) لدراسة العلوم العسكرية وبناء السفن والطباعة وفنون الهندسة، تحولت بعد ذلك البعثات إلى فرنسا، وكانت بعثة سنة (١٨٢٦ م) أشهرها بسبب شهرة واعظ البعثة الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"، وتختلف التقديرات حول نوعية التخصصات؛ إلا أن العلوم العسكرية أخذت حصة الأسد، أما العلوم العصرية الحديثة فهي وإن كان أغلب المبتعثين يطلعون عليها إلا أن هناك قلة (٢) تخصصت فيها.


(١) بدأت بعثات محمَّد علي (١٨٠٩ م)، بينما كانت أول بعثة من الدولة العثمانية زمن محمود الثاني سنة (١٨٢٧ م) مكونة من (١٥٠) طالبًا، انظر: نهضة مصر. . . .، أنور عبد الملك ص ١٢٩، ١٣٣.
(٢) انظر: رفاعة الطهطاوي. . . .، د. محمَّد عمارة ص ٤٧ - ٤٩، وحول حصر البعثات وإحصائيات حول التخصصات زمن محمَّد علي، انظر: نهضة مصر. . . .، أنور عبد الملك =

<<  <  ج: ص:  >  >>