للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخرى، فأعلن "البيرقدار" عزم السلطان تأسيس جيش جديد، يضارع الجيوش الأوروبية "في تعليمه ومعداته" وأن السلطان أمره بإصلاحه "واتباع الطرق العصرية الأوروبية، التي أفتى العلماء بوجوب اتباعها" (١).

بدأ العمل على إنشاء جيش جديد، وأفراد هذا الجيش هم في الغالب من يحتك بالعلوم العصرية، وكان يدربه ضباط أوروبيون، وأضاف السلطان محمود إلى مدارس الهندسة البحرية والعسكرية "مدرسة طبية لتخريج أطباء عسكريين، ومدرسة موسيقية لتأهيل الفرق الموسيقية العسكرية. . . . ومدرسة للعلوم العسكرية. . . . وكانت الفرنسية لغة التدريب في هذه المدارس وكان القائمون عليها مدربين فرنسيين" (٢)، فدخلت العلوم الجديدة بلغة جديدة تختلف عن لغة العلم في البلاد؛ فـ "للمرة الأولى تم تشجيع العثمانيين المسلمين على تعلم اللغات الأوروبية" (٣)، وبدأ بعد ذلك الابتعاث إلى أوروبا من سنة (١٨٢٧ م)، وافتتح مكتب الترجمة سنة (١٨٣٣ م) (٤)، وربما حملت مجموعة هذه الأعمال مؤرخًا غربيًا "توينبي" إلى القول بأن ما وقع في عصر محمود الثاني: أول تأثير غربي حقيقي على تركيا (٥).

وقد نبه باحث على هذه المرحلة بأن جمود العلماء وعدم اجتهادهم بما يناسب المرحلة؛ قد أعطى السياسيين والتغريبيين حجة في تشتيت أثرهم وتحجيمه، فهم وقفوا ضد العلوم النافعة التي تزيد من قوة الجيش والدولة "بحجة أنها من علوم الكفار" دون تفريق بين ما هو نافع يجوز أخذه وما هو ضار يجب رفضه، فاتجه القادة إلى الغرب بعيدًا عن العلماء، فأفلت الزمام من أيديهم، واستولى عليه "دعاة التغريب بسبب موقفهم الجامد والرافض لهذه العلوم" (٦). وربما يصدق هذا على طائفة من العلماء مرتبطة بالتصوف، وهي تُزهّد أصلًا في


(١) انظر: تاريخ الدولة العثمانية، أرسلان ص ٢٦٨.
(٢) نشوء الشرق الأدنى الحديث. . . . ص ١٢٥، مع بعض الاختصار.
(٣) المرجع السابق ص ١٢٥.
(٤) انظر: المرجع السابق ص ١٢٦.
(٥) انظر: الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر. .، علي الزهراني ص ٨٨٦.
(٦) انظر: الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر ص ٨٨٠ - ٨٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>