للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلوم فهي تسهل وصول الإنسان إلى درجة الكمال في الدنيا، ولهذا "أقروا بالحاجة إلى توفير تعليم عصري للمسلمين؛ لتمكينهم من اللحاق بركب التعليم المسيحي الذي كان يدرس في مدارس الطوائف، التي أعيد تنظيمها، وفي مدارس البعثات التبشيرية الأخرى. وقد أدركوا الرغبة لإيجاد نظام عام للتعليم العلماني من أجل إنجاح الهدف الرامي إلى الجامعة العثمانية. وقد أدى إنشاء وزارة التعليم عام (١٨٤٧ م) إلى سحب التعليم من هيمنة رجال الدين. .". وبحسب رأي "مالكولم" فقد كان "ما أنجزته التنظيمات في مجال التعليم محدودًا جدًا" (١)، وعلينا أن نتخيل دولة عظيمة كالدولة العثمانية ينحط بها الضعف لدرجة أنها تأمل في تعليم يوازي تعليم أقليات ضعيفة تحت سيادتها.

لأكثر من خمسين سنة، فترة ولاية محمود الثاني وابنه عبد المجيد؛ وقعت متغيرات خطيرة على مستوى دولة الخلافة، أهمها الاختراق الغربي الواضح لدولة الخلافة، فأصبحت المؤسسات الجديدة معتمدة إلى حد بعيد على الخبير الأجنبي أو الفكر الأجنبي، ويفقد بذلك مركز الخلافة استقلاله الحقيقي ويبقى رهينة للغرب، ليس على المستوى المالي والصناعي والمادي فحسب، بل العلمي والفكري أيضًا، وكان ذلك مما مهد للتيارات الفكرية الجديدة من الظهور والتأثير، وأسهم في عودة القوة للأقليات الدينية وربط إدارتها بالخارج مع فتح أبواب الدولة للإرساليات الدينية والعلمانية بالدخول إلى دولة الخلافة، وعندما صدر فرمان التنظيمات (١٨٣٩ م) فرح به المنصِّرون، وبعد أيام من صدوره كانت الإرسالية الأولى تغادر مرسيلية (٢) باتجاه العاصمة العثمانية، والأسوأ من ذلك أن قادتها -وهم يدعون للنصرانية- يروجون لمقولة: إن القرآن يحرم التعليم، وبذلك يربطون التعليم العصري بالكنيسة فقط (٣).

لقد كان الأمر خطيرًا؛ أي: وجود قوى غير إسلامية أو تغريبية تقود مسيرة المجتمع في جميع مجالاته، وكان من أخطرها قيادتهم لمؤسسة العلم العصري


(١) نشوء الشرق الأدنى الحديث. . . .، مالكولم ص ١٣٠، وذكر "أرسلان" بأنه افتتح في عهده جامعة باسم دار الفنون، انظر كتابه: تاريخ الدولة العثمانية ص ٢٩٤.
(٢) الدولة العثمانية. .، د. الصلابي ص ٤٢٢.
(٣) انظر: المرجع السابق، الصفحة نفسها، وانظر: الدولة العثمانية. . . .، قيس عزاوي ص ٦٠ - ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>