للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم أنه حتى داخل أوروبا لم يصل انتشار التعليم فيها درجةً تحقق استيعاب المجتمع لها، ومن هنا استمرّ الصراع داخل فرنسا إلى نهايات القرن التاسع عشر، والحال أعقد داخل العالم الإسلامي، فالمحيطون بشيء من هذه العلوم قلّة بل إن أهل العلم الشرعي قلّة فكيف بغيره من العلوم؟! لذا كانت تثار مثل هذه القضايا دون أن يكون هناك واقع ثقافي حقيقي لفهمها والتعامل الحسن معها، وهذا ما سمح بتضخيم القضايا دون أن تكون عن علم يقيني بالشرع والعلوم العصرية.

وصلت أشياء كثيرة من قضايا العلوم العصرية، وهناك قصص كثيرة تدار حول موقف علماء الدين منها، ووصفهم لكثير من المخترعات أنها من السحر وعمل الشياطين، ويصرّ التيار التغريبي على إظهارها وكأنها تمثل موقف علماء الشرع، والحقيقة أنها كانت تمثل مواقف فردية لبعض من تدين مع جهل بالعلم الشرعي، وأمرهم مشهور في تاريخ المسلمين، وربما تكون لهم شهرة وأتباع ولكنهم لا يُحسبون على علماء الشريعة، ومن ذلك مثلًا ما يتكرر في كتابات تغريبية عن تحريم وسائل الاتصال الحديثة وغيرها من قبل بعض علماء الدين، فإذا جاء الباحث لينظر من هم علماء الدين فلا يجد عالمًا، وإنما قد يجد أحد شيوخ الصوفية أو بعض المقلدين المتعصبين دون فقه حقيقي في الدين؛ ولكن أهل التغريب يصرّون على إظهار ذلك على أنه موقف علماء الشريعة، بينما هي حالات فردية لغير المحسوبين على العلم الشرعي، وما عرف عن عالم حقيقي في الشرع مثل هذه المزاعم (١).

فلنترك الأمور الصناعية التقنية وما يدار حولها، مع أن الكثير منها دخل إلى العالم الإسلامي في وقت متأخر، ولننتقل إلى النظريات العلمية التي كانت أسبق في الحضور، كما أن ما تثيره من مشاكل أوضح؛ لكونها تحمل في طياتها رؤى فلسفية وثقافية تختلط بالجانب العلمي منها، وهذا ما يجعلها مثار إشكال، ومن ثمّ لا يستغرب أن نجد من يحترز منها أو يحتاط في موقفه منها، فهذا هو عين العلم والعقل في مثل هذه الأبواب بخلاف من ظنّ أن العلم هو في تقليد كل ما جاء من الغرب بحجة انتسابه للعلم.


(١) ستأتي مناقشة ذلك بإذن الله في الفصل الخامس في المبحث الأول منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>