للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الطبيعي خلال الاحتلال أن يتفرغ الأزهر لدفع هذه النازلة، وقد كشف الله سبحانه الغمة عن الأمة بعد معاناة لما يقرب من خمس سنوات، وقد شارك الأزهر في دفعها، بل كان المحرك لها، وبعد خروج المحتل تدخلُ مصر في دوامة من الصراعات، التي لم تهدأ إلا بعد أن قام مجموعة من علماء الأزهر بتشجيع "محمد علي"، وحثه أن يمسك بزمام الأمر على أن يحكم بالشرع ويقيم العدل ويرفع أسباب الفتن، وتوصل محمَّد علي عبر الأزهر إلى ولاية مصر، فاستقر الأمر لهذا الوالي (١)، ولكن تلك الولاية فتحت شهية محمَّد علي نحو السلطة والتوسع، وقد نجح في ذلك (٢) وتحول الأمر في مصر إليه وإلى أبنائه من بعده.

بالرغم من الدور الحسن للأزهر في وصول الوالي إلى ولايته وتمكنه من الحكم، إلا أنه لم يرد الجميل، فبعد أن تمكن الوالي من الحكم قام بإقصاء الأزهر عن مكانته العلمية، وذلك بإيجاد تعليم آخر منافس للمؤسسة القديمة، يُدرِّس فيها الأجانب ويحصل الخريجون منها على أعلى المناصب وأعلى المكاسب، واتسعت هذه الحال مع الأيام، فالتعليم الجديد يتسع على حساب التعليم القديم ويقتطع رويدًا رويدًا من أرض التعليم القديم مساحات أوسع (٣)، وقد وجد الوالي أن سلطته تتعزز بالتعليم الجديد ولاسيّما أنه انصرف إلى ما يخدم الجيش، فالطب والهندسة والإدارة ترجع في النهاية لخدمة جيشه الذي يعطيه السلطة والنفوذ والقوة، فلم يكن تعليمًا يخرج الأمة من ضعفها. فنشأ التعليم الحديث بعيدًا عن التعليم القديم ومستقلًا عنه وبإدارة أجنبية، مع العلم أن هناك مشاركة أزهرية، فالطلاب للمعاهد الجديدة من أذكياء الأزهر وهناك بعض الأساتذة من الأزهر، ولكن هذه المشاركة تقتصر على التغذية فقط بالطلاب والمعلمين في بعض المواد دون أن تكون الصلة صلة معرفية وعلمية توجيهية (٤).


(١) انظر: خبر وصوله للسلطة، تاريخ الجبرتي ٣/ ٤٣ وما بعدها.
(٢) انظر: نحو شهيته في التوسع، الدراسة التالية: سياسة محمَّد علي باشا التوسعية. . . .، د. سليمان الغنام.
(٣) انظر: الأزهر على مسرح السياسة المصرية، دراسة في تطور العلاقة بين التربية والسياسة، د. سعيد إسماعيل ص ١٦٢ - ١٦٣.
(٤) انظر: المقال المميز في مجلة المنار، آثار محمَّد علي في مصر ٥/ ١٧٥ سنة (١٣٢٠ هـ - ١٩٢٠ م).

<<  <  ج: ص:  >  >>